ضاري المطيري
من المفترض على الكتّاب أن يكونوا أكثر وعيا بما يدور حولهم، وأكثر ثقافة من غيرهم، وأن يعرفوا قدرهم فلا يتحدثون إلا فيما يُحسنون، أو على الأقل عليهم أن يسألوا قبل أن يُفتوا ويلجوا البِحار فيغرقوا، لكن بعضهم للأسف لا يكلف نفسه مجرد السؤال ولا التحقق من الأمور، فهل هذا يا ترى سببه الكبر أم شدة الحياء أم مجرد «اللقافة الزايدة» لدى الكثيرين منهم للأسف؟ والمشكلة الأكبر تكمن في أن كثيرا منهم يعتقد أنه الأكثر فهما لحقيقة ومغزى الأمور، لذا أنصح مثل هؤلاء إن كان احدهم مصمما على الكتابة لأنه كاتب يومي يعني لازم يكتب على كل شيء على الرايحة والجاية، أو يرى في قلمه السيال القوة والجرأة في الأسلوب والطرح، أو يرى في نفسه كاتب زمانه فليكثر إذن من القراءة وتحصيل العلوم المختلفة، وليقرأ على الأقل كتابا أو كتابين متخصصين في الأسبوع وليس مجرد مطوية أو كتيب صغير، علاوة على ضرورة عمل بحث مصغر ولو على الإنترنت للمادة المراد الكتابة عنها يوميا حتى لا يضطر إلى الاعتذار بعد ذلك على فرض جرأته وقدرته على الاعتذار، ذلك حتى لا يجعل من نفسه أضحوكة في الدواوين فيسمونه الدايخ والضايع، أو على أحسن الأحوال حتى لا يَفتن الناس ويُلبس عليهم دينهم ويشككهم في أصولهم وثوابتهم.
فمثلا عندما وجه علماؤنا الأكابر في السابق النصيحة إلى المتسرعين والمتحمسين في الفتيا وخاصة الجهال منهم أنكروا عليهم - أي بعض الكتاب - وقالوا لهم بكل قبح وقلة أدب «إن الدين ليس حكرا عليكم أيها العلماء يتكلم فيه الناس، كل بحسب فهمه ولستم بأوصياء على أفكار الناس»، وحين وقع الفأس بالرأس وصارت الفتاوى تباع بالمكيال في سوق الفضائيات قالوا «لما سكتم وتركتم الناس يتعاطون الفتاوى دون ضوابط وأخرجوا لنا فتاوى سياسية مائعة؟»، وكأنهم يريدون أن يجعلوا من العلماء جهاز مذياع يفتح ويغلق متى شاءوا وبما شاءوا.
وعندما حذر مشايخنا الأجلاء من التكفير وخطره ومن أتباعه الذين بدأوا يتكاثرون ردوا عليهم فقالوا لهم «أين الوسطية عندكم وأين احترام الآخرين وأين أدب الخلاف؟»، وحين استشرى القتل والسفك والتفجير بفتاوى خارجية تكفيرية قالوا «وينكم عنهم؟ أم أنكم أنتم أنفسكم من حرضتموهم ؟»، فالبعض كما ترى يتهمك بأنك لم تحارب الإرهاب وهو لا يكلف نفسه أن يقرأ مطبوعاتك ومصنفاتك كما حصل بالضبط في الاتهام الجائر لجمعية إحياء التراث الإسلامي وكيف أن كثير من الجهال قد أعميت أبصارهم عن جهود الجمعية الكبيرة في محاربة الإرهاب والتطرف.
والبعض لقلة إطلاعه يخلط بين البدع الدينية المحرمة والبدع الدنيوية النافعة المستحبة، فالنبي ژ أخذ بفكرة الخندق وهي غير معروفة عند العرب وجديدة على المسلمين، وبالمقابل حرم صيام الدهر كله لمخالفة هديه رغم أنه صيام لله تعالى، والبعض الآخر يخبص ويخربط بين التوكل والتواكل، ومسائل القضاء والقدر التي تسبب لكثير منهم الصداع والشك في حكمة الله، وخذ من هذه المسائل المتعددة التي أعلم يقينا أن كثيرا من صغار وناشئة حلقات تحفيظ القرآن يدركون حقيقتها أكثر بكثير ممن شابت رؤوسهم في الكتابة.
والبعض يرى أنه لا شيء اسمه هيئة أمر بمعروف ونهي عن منكر لأنها لم تكن في زمن النبوة كما هي الآن، وما يعلم أن الغاية واحدة والوسائل متعددة، الكثير منهم لا يعرف حقيقة لجنة دراسة الظواهر السلبية ولا يعرف الحكم الشرعي لها فتجده حائرا في نقده ضائع في طرحه، ولذلك أرى أن الأخ الفاضل د.وليد الطبطبائي عندما نشر محاضر اجتماعات اللجنة إنما فعل ذلك نتيجة اقتناعه بما أنا مقتنع به أن كثيرا من الكتاب المنتقدين للجنة لا يقرأون ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتحقيق.
فما نعانيه هذه الأيام من بعض الكتاب ينطبق كثيرا على صنيع أحد المصلين حين شُكي إليه إجبار وزارة الأوقاف بعض المساجد على الإقامة بعد عشر دقائق من الأذان ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للمساءلة فقال ذلك المصلي: إذن نؤذن قبل دخول الوقت بعشر دقائق ليكون مجموع الفترتين عشرين دقيقة ويكون لدينا متسع من الوقت أكبر، وبعد ذلك علم وفهم هذا المصلي أن الصلاة والأذان لا تصحان قبل دخول الوقت.
في الختام لا أقول إلا حسافة والله، حتى لجنة استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية لم تسلم من نقد بعضهم رغم أنها رغبة سامية للأمير الراحل وأمنية عارمة للشعب الكويتي، قال تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أَحسن من الله حكما لقوم يوقنون).