ضاري المطيري
حث الله عز وجل عباده على المسارعة في نيل رضاه والفوز بجنته فقال(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)، ثم بدأ السياق القرآني بذكر وصف المتقين الذين سينالون تلك الجنة الكبيرة فقال سبحانه(الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وهذا الوصف للمتقين لا إشكال فيه وليس محل استغراب، فالمتقي لله من الطبيعي أنه ينفق في سبيل الله ويعفو عن المسيء في حقه من الناس، لكن العجب والدهشة تكمن في الوصف التالي للمتقين والذي أتى بعد هاتين الآيتين مباشرة وهو قوله سبحانه (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فانظر كيف أن المتقي قد يقع منه الخطأ والزلل بل قد يتلطخ بالفاحشة لكنه سرعان ما يتوب ويفيق من غفلته ويستغفر الله وينيب إليه.
ما أحوجنا إلى قراءة آيات الرجاء بين الفينة والفينة حتى نتشجع للتوبة ونتحمس للعبادة ونقبل على الطاعة، إن للسيئة ظلمة في القلب ووحشة في الصدر وقلة بركة في الرزق لا يعلمها إلا الله (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)، نعم إن المعاصي تعكر صفو الحياة وتنغص سعادتها، لكن من منا لا يخطئ ولا يزل ولا يذنب؟ لذلك قد شرع الله لنا علاجا عظيما وهو أن نتبع السيئة الحسنة حتى تمحوها (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) وذلك بأداء الصلاة والإكثار من ذكر الله وبالكلمة الطيبة والوجه الطليق، فمن الخطأ أن تذهب أنفسنا حسرات حين نقع في الخطايا، ولنجعل من ندمنا ندما يدفعنا إلى الاستفادة من الخطأ ولا نقول لو، فإن «لو» تفتح عمل الشيطان، فالسيئة إذا أتبعت بحسنة كانت من قدر الله الحسن، ألا ترى أن آدم گ كان أحسن حالا بعد خروجه من الجنة وعودته إليها حيث أعقب معصيته وأكله من الشجرة بالخضوع والذلة التي رفعت منزلته عند الله عز وجل.
(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) هذه الآية غالبا ما يقرأها المسلم ويمر عليها كآية تدعو فقط إلى الصلاة وعمل الحسنات، لكن لو أنا اطلعنا على سبب نزولها لأدركنا عظم رحمة الله بعباده، فقد ورد في الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قُبلة، فأتى الى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ): «لجميع أمتي كلهم»، وفي رواية أخرى عن أنس قال: كنت عند النبي ( صلى الله عليه وسلم )، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي.
قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي ( صلى الله عليه وسلم )، فلما قضى النبي الصلاة قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقم فيّ كتاب الله.
قال: «أليس قد صليت معنا؟» قال: نعم. قال: «فإن الله قد غفر لك ذنبك» أو قال: «حدك».
وأورد هنا بعض الأحاديث النبوية التي تؤكد على هذه القاعدة وتؤصل هذا المبدأ الذي يوضح يسر الدين ورحابة رحمة أرحم الراحمين، فعن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: (أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها فهل لذلك من توبة؟ قال فهل أسلمت؟ قال أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن، قال وغدراتي وفجراتي؟ قال نعم، قال الله أكبر فمازال يكبر حتى توارى) رواه الطبراني وصححه الألباني، وعن عقبة بن عامر ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): «إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة أخرى فانفكت أخرى حتى تخرج إلى الأرض» رواه أحمد وصححه الألباني.
هذا المقال هو ملخص لمحاضرة ألقيتها قبل أيام في مسجد صباح السالم في العارضية تحت عنوان المقال نفسه «إن الحسنات يذهبن السيئات»، وأحببت بعرضي هذا أن يستمر الخير من هذا الإعداد المتواضع ويعم النفع بهذه المادة البسيطة، كما أردت أيضا أن أغير قليلا من النمط المعتاد في المقالات التي تتكلم عن الشؤون السياسية والاقتصادية قاصدا ترقيق القلب وتجديد الإيمان.