فاطمة شعبان
لدي مشروع يسمى «على أبواب الحب» يتطلب تقسيم فئة الشباب إلى فئتين، فهناك فتيات يرغبن في الزوج من ذي العيون الزرقاء، وشباب يرغبون في زوجة جميلة بمقاييس ملكات الجمال أو فتيات الأغلفة، كل تلك الطلبات موجودة وكما تعلمون فإن الخطّابات يطرقن الأبواب وكل سيأخذ نصيبه ولكن التقسيم التالي سيوضح لنا كيف أصبحنا نفكر.
الفئة الأولى: وهي الفئة التي تستعين في عملية اختيار الزوجة بأحد أفراد الأسرة: الأم ـ الأخت ـ الخالة ـ العمة أو غيرهن.
الفئة الثانية: وأسميها الجريئة، وهي التي تقتحم وتبحث عن زوج أو زوجة المستقبل بنفسها، سواء بعلاقة مباشرة «مغازلجي» أو غير مباشرة صديقة مغازلجية.
أما الفئة الأولى فهي الفئة التي تغلب عليها صفة الذكورة حيث إن الشاب هو من له الحق في تحديد الشروط، وذلك لأن الشاب في مجتمعاتنا الإسلامية هو من يبادر ويطلب الفتاة، وعلى أهل الفتاة الموافقة أو الرفض، وفي مثل هذه الحالات لا يراعى الجانب العاطفي في كلا الطرفين، بل يكتفيان بتحديد الجوانب المادية والعلمية والنسبية، وهناك من يجعل عملية الاختيار بيد ست الحبايب (الأم) لتصبح الزوجة مجرد قطعة أثاث أحضرت لتكمل ديكورا ما يسمى بالزواج.
إذن لكيلا تصل الأمور إلى أسوأ من قطعة أثاث يجب مراعاة مجموعة من الشروط:
أولا: يجب أن تتم عملية الاختيار من قبل الطرفين الشاب والفتاة ولا يكون تدخل الأهل بشكل سافر.
ثانيا: يجب مراعاة الجوانب التوافقية «العلمية والثقافية والدينية» للطرفين، فمن الظلم أن تقترن الفتاة الملتزمة دينيا وأخلاقيا بزوج لا يعرف ربه، ولا يقيم للأخلاق وزنا.
ومن الظلم أيضا أن يقترن الرجل صاحب فكر نير بزوجة لا يمت عقلها إلى الفكر السليم بصلة.
ثالثا: من حق الفتاة أن تضع شرط الجمال في شريك حياتها كما يضع الشاب هذا الشرط، فإذا تقدم لخطبتها من هو دون الجمال الطبيعي، كالجاحظ مثلا، لا يغرر بها وتجبر عليه.
رابعا: من حق الطرفين أن يتأكدا من التوافق العاطفي تجاه بعضهما، ولا يعيب ذلك المرأة فإذا رأت أنها لا تتقبله أو لا تحبه، فعلى الأهل احترام رغبتها ولو كان شخصا لا يعاب في نظر المجتمع.
وفي قصة بنات شعيب ( عليه السلام ) الواردة في القرآن الكريم، وضوح للجانب العاطفي، وقد وظفنه إحدى بناته بكل خلق وأدب فقالت «يا ابتي استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين» ففهم النبي الكريم ( عليه السلام ) بحكمته أن ابنته ترغب في هذا الشاب زوجا لها، وذلك من منطلق قوته وأمانته وتلك من مواصفات الزوج الكفء.
فماذا قال شعيب لموسى ( عليه السلام ) «إني أنكحك إحدى ابنتي هاتين» ولم يصرح باسم الراغبة فيه حفاظا على كرامتها، وبهذا الخطاب القرآني نعلم أن الحب والمشاعر الجياشة غريزة طبيعية في البشر يجب توظيفها توظيفا سليما وليس من حق أحد قمع تلك المشاعر لأنها لن تقمع.
أما الفئة الثانية فهي الفئة التي أشرنا إليها سابقا والتي تقوم بعلاقة مباشرة وأسميناها «مغازلجي» وتكون العلاقة قائمة بينهما دون علم الأهل وقد تدوم فترة طويلة لا يعلم عاقبتها غير الله جل وعلا، وهي ما يطلق عليها في القاموس الغربي boy friend، أو بعلاقة غير مباشرة فيكون بإعجاب الشاب بفتاة من الأقرباء أو الأصدقاء أو في الجامعة، فيلجأ إلى أحد الأقارب ليتحقق من مشاعر الفتاة تجاهه ليتقدم بصورة رسمية لخطبتها، وهذا الأسلوب يعد أكثر أمانا من الأسلوب المباشر إلا أن الأسلوب المباشر بات هو المسيطر على فئة الشباب رغم مساوئه ومخالفته لشرع الله جل جلاله.
هذا بالنسبة للشاب أما الفتاة فتكون عملية الاختيار بالنسبة لها خاضعة للجانب العاطفي، وذلك لوجود علاقة سابقة مليئة بلقاءات ومسجات ومراسلات وهدايا..الخ، لذا يلاحظ وجود إلغاء واضح لصوت العقل لديها فطبيعتها الأنثوية قد تنسجم مع العاطفة بشكل كبير وهنا تظهر المشكلة التي تجعل العاطفة هي صاحبة القرار على العقل مما يخلق تصادمات مع الأهل فإذا أرادت أي فتاة غنية الزواج من شاب فقير، أو أقل من المتوسط، فإنها ستشعر بعد مدة قصيرة بحنين إلى حياتها التي اعتادت عليها والتي لن يستطع الزوج الفقير توفيرها، إذن لابد من مراعاة لمقاييس التوافق الاجتماعي ولابد لصوت العقل أن يكون الفيصل في اتخاذ القرار المناسب بين الزوجين حيث إن الحب والغرام لن يغيرا من ذلك شيئا، كما أن الشاب الذي يختار حياته الزوجية بناء على الجمال الظاهري للفتاة يكون عرضة للفشل فالحياة الزوجية لن تقوم على زوجة هي أقرب إلى الدمية من أن تكون زوجة تتحرك في البيت لا شأن لها بالبيت أو الزوج.
يقول الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ):
«من تزوج المرأة لمالها وجمالها حُرم مالها وجمالها» فما فائدة الجمال الذي سيبلى في يوم من الأيام؟