مما لا شك فيه أن نفس الإنسان ترتاح في بيئة نظيفة وجميلة، فالجمال تصفو به النفوس وتشفى به الأرواح الكئيبة البائسة، وقد اعتمدت شعوب فلسفة الجمال لتأثيره في سلوكيات وحياة الفرد والمجتمع وجعلته أساسا متينا تبني عليه نظام الحياة والعيش الرغيد الهانئ.
وبعيدا عن الأمور السياسية وطبيعة العلاقات بين الدول..! أمثل بنموذج حي وبارز وقريب مثل البيئة التركية التي تجسدت بشكل لافت للأنظار في بلدية إسطنبول بخلاف مدننا العربية..
فقد تتعثر مركباتنا على بعض الطرق غير الممهدة، وعلى جانبي الطريق إما قليل من الزرع المتهالك والبالي أو عدمه، وأحيانا نجد الطرق والشوارع غير نظيفة، وروائح كريهة، هذا المشهد نراه ونتعذب به كل يوم في أغلب بلادنا العربية، لا أفهم لم مجتمعنا العربي منذ زمن لا يهتم بنظافة البيئة وصحتها وجمالها كما ينبغي؟ كيف نطالب الفئات المجتمعية بالأخص (الموظف والدارس) بأن يبذل جهده وتركيزه وإبداعه بعد رحلة مروره بحالة إحباط تؤرقه نفسيا وجسديا كل يوم، أليس حريا بنا أن نوفر له البيئة المناسبة حتى يعطي ويثمر عطاؤه ويفيد نفسه ومجتمعه..؟!
في طريقي للعمل بعد مروري برحلة الإحباط المعتادة..
تذكرت مقالا للأخ الزميل د.عبدالرحمن العيسى بعنوان «شوارعنا ضاعت تحت التراب»، والتي ناشد فيه استنبات الأشجار على جوانب الطرق وحدود المناطق الرملية للحد من موجات الغبار، وأشاد بالأخذ بتجربة دولة الإمارات الشقيقة في هذا الصدد فهل من مجيب..؟!
ثم تذكرت زيارتي إلى مدينة إسطنبول في العام 2015 وأيضا العام الماضي واستمتاعي بالطرق الممهدة الخالية من الحفر، وأعمدة الإضاءة التي تعلوها سلات الزهور الدائرية ذات الألوان الخلابة، وجوانب الطريق المزخرفة بأجمل اللوحات الزهرية والنباتية الحية التي رأتها عيني واللون الأخضر اليانع والنظام والجمال الذي يحيطك من كل تجاه، وهذا أمر...!
والسفر والنزهة بالمركب في المياه متعة أخرى وطائر النورس يحلق فوق المراكب وصوته الرائع الذي يطرب مسامعك ويمتع روحك ويثير فيها البهجة والسعادة، أغلب ركاب هذه المراكب موظفون وطلاب يذهبون لجامعاتهم وأعمالهم عبر البحر بشكل يومي.
وهنا أقترح: لماذا لا نستغل البحر عندنا ونتنقل عبره مثلهم ونخف الضغط على الطرق المزدحمة يوميا إن أمكن ذلك؟!
تخيل أن تذهب لعملك أو جامعتك راكبا البحر كيف ستكون حالتك النفسية وقدرتك على التركيز والعطاء؟
أعلم أن طبيعة بلادنا فيها بعض الاختلاف لكن حالة الطقس أمر...! والاهتمام بنظافة البيئة وتطويرها وشعور المواطن بتقديره وآدميته في بلده أمر آخر.
نشاط البلدية في تركيا الحقيقة في منتهى القوة والعمل الدؤوب والحزم في تطبيق القانون.
ومما لا شك فيه أن مرد ذلك كله لما ورثه الأتراك من أجدادهم العثمانيين القدامى، والذين استمدوه من قيم الإسلام الراقية، وهذا يطابق ما بناه أجدادنا العرب في الأندلس بالتحديد الجزيرة (الإيبيرية) والتي استمر الوجود الإسلامي في تلك البقعة لثمانية قرون، بنى خلالها المسلمون معالم الحضارة والثقافة والعلم التي أنارت العالم بأسره.
لماذا لا نأخذ تجربة من هذه التجارب الناجحة في بناء وتطوير البيئة وتطبيقها في بلادنا العربية..؟!
وفي هذا الصدد، أقترح: أن تقوم حكوماتنا بعمل مسابقة بين البلديات في كل محافظة والتي تستطيع في مدة محددة من قبل الحكومة تجميل وتطوير منطقتها يتم تكريمها وحصولها على المركز الأول عبر احتفال تحضره الحكومة ووسائل الإعلام على أن يستمر متابعة هذا الإنجاز الرائع والمفيد لنا حكومة وشعبا وتكرر المسابقة بشكل سنوي.
فلماذا دولة تركيا والدول الغربية تتمتع ببيئة جمالية صحية متحضرة ونحرم منها كعرب ونحن نمتلك الأساس من دين يحث على ذلك ثم حضاراتنا التي كنا نباهي بها العالم أجمع؟
فهل هذا صعب على صانعي التاريخ والحضارة العريقة...؟!
فهيا بنا نرفع شعار «بيئة جميلة تعني عيشا رغيدا هانئا في مجتمع راقٍ».
[email protected]