الكتابة تثير في القلب كوامن العواصف وتكشف للعقل مكامن الذكريات، وتهيج علينا فظائع الوقائع، تعيد فتح جروح قد تحولت إلى ندوب فتظل تنزف حتى ينفد حبر القلم فتجف معه المشاعر وتتحجر القلوب وتتيه العقول، تأخذنا إلى عوالم بعيدة، نهرب معها من حاضر في أغلب حالاته أليمة يمقته القلب ويرفضه العقل وتفر منه الأرواح الطاهرة النقية، نكتب...! لأننا نحتاج لأن نبوح، يصرخ القلم لعل آلامه تسكن، وتهدأ براكين الغضب والأسى والحزن من واقع قاس ملوث.
الكتابة تمرد ورفض لفكر منحرف ووقائع وأحداث تخالف العقل والمنطق والشرع والسنن الكونية، حروفنا التي نخط مليئة بالأسرار المخبوءة التي لا يعرفها غيرنا، لكننا نعترف بها لأوراقنا البيضاء، يسيل منها مداد أقلامنا دماء عذبة من جروح حية وضمائر متألمة تستغيث بالقلم كي يخرج آلامها ويوصل صرخاتها للإنسانية لعلها تغير شيئا أو تعيد قيما قد فقدت، أو تحيا بصرخاته ضمائر قتلت ودثرت.
أحداث كثيرة في حياتنا تدعونا للتأمل، وإعادة قراءتها بهدوء وتمحيص وفطنة خاصة عندما تشعر بتغيير أصاب دواخلك فتأخذ في تذكر ذاتك سابقا.
وكم كان قلبك مؤنسا بإيمانيات راسخة وروحانيات تشع في دواخلك النور والأمل، وتملأ وجودك غبطة وحيوية وإشراقا، تتذكر جمالا فطريا كان متوطنا في أعماق وجدانك من صنع الخالق البديع، كان هذا الجمال يجعلك ترى كل شيئا جميلا حتى لو لم تكن هذه حقيقة الأشياء! اليوم: تشوه كل جميل داخلنا، وتاهت الحقيقة داخل دهاليز الفساد، فاحتار الفكر وفقد المنطق، وأصبحت تعم سماءنا الغيوم، وتهب في دواخلنا الأعاصير حتى تكاد تقتلعنا من الكون كله.
أصبح الشك يحيط بأشياء عديدة من حولنا حتى بعض الثوابت في الحياة، وبعض المبادئ والقيم التي نشأنا عليها ولم يصبح لها وجود!. غطى الفساد والنفاق والكذب مواضع النقاء والطهارة، وانحدر الرقي إلى الحضيض، وضاعت هيبة العلم والعلماء وتبخر من ذاكرتنا العروبة والأصالة والشهامة والحق والعدل، وحل محلها التدني والسطحية والمادية والتقليد الأعمى، تفرغ الناس لمتابعة بعضهم وتغافلوا عن زلاتهم، وتفرقت الأيدي بعد أن كانت موحدة، ولم يكتفوا بالفرقة، بل طوروها إلى عداوة وعمالة وحروب استحلوا فيها كل متاح حتى الدماء البريئة المحرمة! فأبى الخشوع وخشية الخالق أن تسكن قلوبا تلونت بألوان الفساد.
قال رسول الله صلوات الله عليه وتسليمه: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا».
فأين المسلمون من ذلك؟! وقد اعتدوا وظلموا (إلا من رحم الله)...!.
دنيانا لم تعد تبنىٓ على معنى الإنسانية وإنما تؤسس على الانتقام والجشع والدمار وقتل الإنسان لأخيه الإنسان حتى دون ذنب! وإن وجد، دون محاكمة!!
يهان الإنسان في إنسانيته وكرامته وآدميته وجرد حتى من حقه في الحياة!
هذه ليست نظرة سوداوية كالحة، وإنما للأسف واقع يدمي القلوب النابضة، ويثير الضمائر الحية بصراخ تكاد السموات تتفطر منه والأرض!
أتساءل إلى ماذا سيتطور هذا الواقع الأليم وإلى أي درجة أخرى سنصل في سلم الفساد؟
نحن لسنا مخلدين ولا يدوم منصب ولا كرسي، فدوام الحال من المحال!
نعلم أن هذا العالم سينتهي بيد الخالق يوما، ولن يصحبنا منه إلا ما قدمت أيدينا من خير وصلاح وإصلاح.
فالنهاية محتومة، والآماد تنتهي، والأيام دول وسنن الله ماضية في كونه، وسيكشف نور السماء غيوم الفساد التي تحيل الأرض ظلاما وحلكة.
فكيف طمست هذه الحقيقة في متاهات عقولنا وإلى متى سنظل في غفلتنا..؟! [email protected]