عندما نفقد معالم الطريق التي خطتها أقدامنا منذ نعومة أظافرنا، والتي رسم على جانبيه علامات الصواب والخطأ بدماء أجدادنا الراحلين، فكلما مر بنا الزمن، تتلاشى العلامات شيئا فشيئا، وتتغير ملامحنا بمرور الوقت، وتتبدل أفكارنا، ونبتعد عن عاداتنا وتقاليدنا، فننسى من نحن! ومن كنا، وإلى أين ننتمي، فنتيه في عالم الغموض، تتخبط أقدامنا خوفا من الغد، وجهلنا ما سيقابلنا في نهاية المنحنى الذي ألقانا فيه الضباب المميت، فتغدو عقولنا حيرى، لافتقادها علامات الصواب وسقوط رايات الحق بعد أن قضى حاملوها نحبهم، وتظلم قلوبنا لافتقادها النور الذي كان يرشد إليها السفن المحملة بالحب والاحتواء والاطمئنان وراحة البال، فنضل ونشرد أعواما وأحيانا قرونا، نظل نتحرى ونحاول الوصول لإجابات تساؤلات يلقيها الفكر على كاهل عقولنا ويجبره على حل ألغاز واقع عقيم وإيجاد راية للحق مرفوعة بيد العدل ترفرف في سماء الباطل..!، عندئذ نجمع شتات أنفسنا ونستعيد قوتنا ونضع أقدامنا مرة أخرى على الطريق القديم الذي مهده لنا الأجداد.
حينها نشعر أننا حملنا من جديد بجواهر البركة والخير والبساطة والحب بعد أن لفظتنا أرحام الزمن القديم التي أنجبت علماء ومفكرين ومخترعين وحاملي رايات الحق والعلم والنور، وترى أعيننا أخيرا حاملي الأرواح على الأكتاف! تنظر أعينهم إلى السماء عزا وفخرا، والدنيا بالنسبة لهم معبر لجنات النعيم، قوتهم الإيمان، وشرابهم القرآن، ونومهم اطمئنان، وهدفهم تحقيق الغاية من خلق الأنام، وغايتهم رضا الرحمن.
حينها نرى طاقات النور تشع من الصدور، وتيجان النصر تزين الرؤوس، وتجد القلوب مبتغاها، وتتبع العقول منارات العلم والنور، وتهرول الأرواح لاتباع رايات الحق والعدل، فيعم الخير ويحكم العدل، وتجد النفوس العليلة شفاءها بعد أن مرضت لقرون، وترتقي الأرواح لدرجات الإحسان، وتستنير العقول، ويهدأ الفكر بعد أن وجد إجابات أثارت حيرته أعواما طويلة، فهذه دنيا العيش الحقيقية التي وجب علينا تعميرها، ليست هذه التي ملأناها فسادا ودمارا وخرابا في شتى البقاع، أيها الناس.
نحن خلقنا لنعمر لا لندمر، ونصلح لا لنفسد ونرتقي لدرجات الإحسان لا لندنو دنو الخاسرين، فهل فينا رجل حكيم؟!
[email protected]