كثيراً ما نمر بظروف تعكر علينا صفو حياتنا، وتسلب منا سعادتنا، إلى أن صادقنا الحزن وأصبح البؤس رفيقاً لنا، بخلاف أنها حيّرتنا وفي نفس الوقت أتعبتنا.
ظروف قد تكون من الطبيعي أن تمر علينا من حين لآخر، وعلى غيرنا، خاصة إذا كانت مرهقة جدا أيامنا وحياتنا.
بسبب أمور كثيرة قد تكالبت علينا، زادت من توترنا وضغوطاتنا، إلى أن اعتقد البعض أننا سننحني بكل سهولة أمامها، وأمام كل تلك العواصف التي واجهتنا.
ولكننا نؤمن إيماناً تاماً بأن كل ما يحدث معنا، خيرا كان أم شرا، هو مقدر من الله سبحانه وتعالى ومكتوب في اللوح المحفوظ لنا لأسباب عدة، إما لهدف ما، أو لحكمة معينة نتعلم منها، أو ليدلنا على طريق آخر جديد من خلاله نعتدل فكرا وسلوكا يشمل جميع مناحي حياتنا، لما قال في كتابه العزيز: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم).
فالفرح والسرور قد يكون قليلا نوعا ما في حياتنا، أما المحن وبعض الابتلاءات، فلها النصيب الأكثر الذي دائما ما يفوق سرورنا وفرحنا، لما قال الشافعي رضي الله عنه: «محن الزمان كثيرة لا تنقضي: وسروره يأتيك كالأعياد، فلا راحة لإنسان فيها، فلكل نصيب من حالها المتقلب بين الضيق والفرج الذي لا يستثني أحدا».
وعلى سياق تلك المحن، يقال حزناً: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) (84) فسيدنا يعقوب عليه السلام من قوة ألمه وشدة حزنه وبكائه على ابنه يوسف فقد نظره وابيضت عيناه، وعلى الرغم من ذلك كان يقينه بالله سبحانه عظيما، وصبره أعظم، وبقي سنين طوال لم يفقد الأمل برؤياه، إلى أن تحقق بالفعل مناه.
لذلك، مهما اشتدت عليك المواجع والآلام تبقى في النهاية مؤقتة، ومهما كنت غارقا في النعم والأفراح والأتراح، أيضا تبقى تلك الأفراح مؤقتة، فلا شيء يدوم على حاله أبدا، فكلها أمور قابلة للتغيير شئنا أم أبينا.
فلا تعتمد في حياتك على نمط واحد فقط لا غير، وتتشبث به ولا تتركه، ذلك لأن حياتنا في مجملها عبارة عن مراحل مؤقتة، ولا تجعل تركيزك بها منصباً فقط على تلك الأمور التي قد تزول منك في يوم، في شهر، في سنة، وتهمل في المقابل ما هو دائم معك إلى نفس في صدرك، الرحمن سبحانه.
وحاول أن تجعل من الاعتدال معيارا أساسيا لك في جميع أمور حياتك، دون إفراط أو تفريط، كي لا تسلب منك سعادتك.
يقول علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: الدهر يخنق أحيانا قلادته، عليك لا تضطرب فيه ولا تثب، حتى يفرجها في حال مدتها، فقد يزيد اختناقا كل مضطرب، كما لا تصبح أيضا كأولئك الذين تغيرت قلوبهم، فأصبحوا يتوكلون ويؤملون في دنياهم وأرزاقهم على خلق مثلهم، راجين قبولهم، رضاهم، رأيهم، حبهم، ناسين في المقابل ربهم، مدبر أمورهم ومصرف دهورهم.
كما عليك أيضا أن تعرف أن لكل منا طريقا مناسبا ينتظره، طريقا له ولروحه، طريقا لقلبه ومشاعره، طريقا حتى لطريقة عيشه وحياته.