يقول ابن المقفع:
«إن الإنسان طبع على ضرائب لؤم، يرحل عمن لصق به، ويلصق بمن رحل عنه، إلا من حفظ بالأدب نفسه وكابر طبعه»، أي إلا ما رحم ربي.
لذلك مهما بلغ مقدار حبك وتقديرك واحترامك للآخرين، إياك أن تسمح لهذا الحب والتقدير والاحترام، أن يكون في يوم من الأيام على حساب شخصك وكرامتك، وإياك ان تجعل من أولئك الآخرين ايضا، ان يكونوا كل شيء بالنسبة لك في حياتك، وتفتح نوافذك المنقوشة بكل سعادة وسرور لهم، دون ان تعلم ماهي خفاياهم، إلى ان يأتي ذلك اليوم والذي قد تصدم به منهم، حين تجدهم يشعرونك وبشتى الوسائل والطرق، بأنك لا تعني شيئا بالنسبة لهم، فتندم شديد الندم بعدها، وستهدر بالحيرة والتفكير وقتك، وانت تلوم وتحاسب نفسك.
ولكن كن حكيما وامسك بالمنتصف عصاك، وضع في الحسبان أنه كلما أعطيت بعمق ستقاسي بعمق، وكل ما عليك فعله هو ان تتجاوز كل موقف يحدث معك لتتأقلم، وان تعلم علم اليقين أنه أصبح من النادر وجود أناس يملكون قلبا حقيقيا نقيا، وعلى النية يتعاملون معك، فلذلك تجد البعض منهم، دائما ما يفسر معاملتك معه وتصرفاتك على انك شخص ساذج، مغفل، لا كرامة لك وغبي.
وفي الحقيقة هم الأغبياء لا أنت، فكن واثقا من نفسك، ولا تجعل تفاصيلهم ونظرتهم التافهة تزعزعك، ولا تغص بتلك الأمور التي جعلتهم يستخسرون عليك أبسط حقوقك، وأولها كرامتك!!
فقط ابتعد دون ان تبرر لهم وتناقشهم، ابتعد وأكرم نفسك عنهم، وتأكد قبل كل شيء، بأنهم يعرفونك اكثر مما يعرفون انفسهم، ولكنهم يعشقون اصطياد المفاهيم الخاطئة، نكاية بك، ليناقضوك ويناقضوا فكرك.
فأغلق فخهم الملوث، الذي انت في غنى عنه، وكن ثابتا وإيجابيا، ولا تلوث نفسك بهم، ولا تعر أدنى اهتمام بما يقال عنك من قبلهم، ولا تشغل بالك بمن يحبك وبمن يكرهك، ولا تجهد نفسك بذميم ظنونهم، فتيقن أن الباري سبحانه، كفيل بأن يبين لهم مع الأيام من انت! وما هي حقيقتك! لذلك لا تحش برطانتهم رأسك.
يقال:
«عادة ما نولي اهتمامنا للأشياء التي تهمنا، ولكن غالبا ما نهتم به حقا محجوب عن ناظرنا». فتلك أمور معظمها واردة في حياتنا، فمهد الطريق لنفسك، وتوقع غير المتوقع، وضع في عين الاعتبار أن طيبك وكرم أخلاقك، إما أن يصيب مع البعض او يخيب.
وان لم يصب، فتأكد أنك في كلتا الحالتين انت المستفيد، فوحدها الخيبة تهدينا أحيانا درسا عظيما، من خلاله نتعلم كيف نتخطى، نتجاوز ونتجاهل، وكيف بإمكاننا أن نعرفه عن أنفسنا، كي لا نكون حبيسي أفكارنا، بخلاف أنها تجعلنا نركز وبصورة أكبر على مساحتنا، لنهتم بها ونحافظ عليها، ونمارس كل ما هو ممتع ومبهج وجميل فيها، ونعطي ظهورنا لكل ما يهيجنا ويضرب على أوتار قلوبنا، لعلنا نخفف ولو شيئا بسيطا مما نلاقيه من ضغوطاتنا.