دائما «الناقص يجزم بحرف العلة»! لذلك تجد الكاذب يرى كل الناس كاذبين، والحاقد يراهم حاقدين، والكاره يراهم كارهين، والفاشل يراهم فاشلين......إلخ.
ووحده مسيء الظن، يتهم الجميع بسوء ظنه، معتقدا بأن كل الناس مثله!
يقول بكر بن عبدالله: «إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس، ناسيا لعيوبه، فاعلموا أنه قد مكر به»، لذلك قد نلاحظ وفي جميع المجالات المدنية، المهنية والحياتية، من يتنطط كـ (الأهوج) هنا وهناك، يتصيد لهذا وذاك ويتنصت، فقط بهدف المهاجمة المستعرة، وليس بهدف النقد والنصح والتصحيح، ويدخل في ذمم غيره ليشكك بهم ويعيب، ويجزم ويؤكد على رأيه، وكأنه يقرأ ما في صدورهم ويعلم الغيب! شخص لا يتمتع باللباقة ولا حسن الحديث، ويوهم من حوله بأنه الإنسان الكامل، المثالي، النظيف، متذبذب الطباع والتناقضات، يدلي برأيه التافه على غيره كما يحلو له، يستنتج، يقيم، يوبخ ويحاسب، ولا يريدك أن ترد عليه أو تساجله، وكأن حال لسانه يقول أنا «الفهلوي» كما يطلق عليه في اللهجة المصرية، ويا له من «فهلوي» وضيع، دائما ما يكون في منتهى القبح والخبث والوقاحة.
وتطرق لنا الكاتب د.هشام حتاتة عن ذلك النموذج البشري، في أحد مؤلفاته وكتاباته، فقال: الرجل الفهلوي هو الظاهرة الثالثة التي أقوم برصدها بعد المرأة المتسلطة والابن العاق! ولا يلام حقيقة حين يفكر برصد ظاهرة كتلك.
والمضحك في الأمر، أن هذا الوضيع هو اكثر من يحثك على ضرورة التزامك بالقواعد والآداب السلوكية والأخلاقية.
أمأ الأدهى والأمرّ، لو كان يمتهن نفس مجالك، تجده يدعوك بأن تتحلى بأسلوب مهني احترافي، وفي المقابل يصدمك بجهله، وبقلة حيائه وأدبه! الذي أنساه بأنه هو أول من تمرغ في الوحل.
ذلك الوحل الذي جرده من شرف المهنية وتقاليدها، وجعل منه إنسانا متخبطا، مهما حاول وتصنع لخبط، فيفضح نفسه بنفسه وبزلة بسيطة عابرة يسقط! ليزداد اشتطاطه وتلبيخه في الكلام، والذي ما هو إلا نقيض لنصائحه وأفعاله، يزاحم غيره فقط بكثرة لغوه وزيف أقواله، فيحوم ويحوم ليفرغ ما في جعبته وما تحمله من عقد نفسية قد تكون لازمته في مختلف مراحل حياته.
فأفقدته السلام الداخلي والروحي والعقلي، وصنعت منه شخصا معطوبا مشوها، انهكه الشعور بالنقص، وجعله عالقا في الحضيض.
فحين مر الحسن البصري على مطرف بن عبدالله وهو في أصحابه فقال له: عظهم، فقال مطرف: أخشى أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: وأينا يقول ما يفعل؟!