عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» [سنن أبي داود].
هذا الحديث هو تحليل اجتماعي لحالة الأمة المسلمة، وتحذير واضح ورد في قوله: «تداعى عليكم» فيوضح أن الأمة أصبحت لقمة سهلة، قريبة، لا عناء في الاعتداء عليها، وسرقة ثرواتها، واستباحة أهلها، وهي كمن يدعو الناس إلى طعام مجاني، أو مائدة مفتوحة دون عناء.
وإذا تصفحنا التاريخ جيدا لوجدنا أن الأمم القوية دائما ما تسعى إلى فرض إرادتها وثقافتها وسيطرتها على الأمم الضعيفة، وبسط السيادة وانتزاع الثروات والخيرات من أيدي أصحابها وملاكها.
وقد عرف التاريخ أمثلة عديدة على شرور وأخطار هذه الأمم، التي كانت تسحق الآخرين دون وازع أو ضمير أو أخلاق من أجل أهدافها وسيطرتها ومصلحتها فقط.
أما الأمم المسلمة فهي أمم مرصودة دائما من قبل الأمم الأخرى، منذ أن من الله عليها بهذا الدين العظيم، وكانت هدفا مرصودا وهي في حال قوتها ومنعتها فما البال الآن وقد ضعفت وتحولت إلى غثاء السيل؟!
ولذا حذرنا القرآن الكريم من الغفلة عن إعداد القوة، وأمرنا بالاجتماع على كلمة سواء، والاعتصام بحبل الله المتين، وعدم التنازع، وأمرنا بالتعاون على البر والتقوى.
يقول الله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) [الأنفال: 60]، ويقول تبارك وتعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)(103) [آل عمران].
نعم، تكالب علينا الأعداء من كل حدب وصوب، وتداعت علينا الأمم الأخرى حتى أكلت من قصعتنا وحطمتها، وكسرتها، ومازالت تحاول وتسعى، فأصبحنا نعيش في شقاق، ونحيا في اختلاف، وأصبح كل منا همه هو نفسه فقط، وتركنا يد الجماعة، والوحدة، ولذا كان سهلا على أعدائنا غزونا فكريا وثقافيا واجتماعيا، وعسكريا.
ولكن هذا ليس معناه الاستسلام، بل مقاومة هذا (السيل)، ودفعه بكل ما أوتينا من قوة، ونصبح أحرارا كما كنا سابقا، أمة ريادة تقود العالم أجمع.
[email protected]