الكثير من أهل الخليج يعرف علم وتواضع الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الذي انعكس علمه وثقافته على طبيعة امارته، ولعل بداية حياته كانت سببا في ذلك حيث تنقل بين عدد من البلدان لاستكمال دراسته، وعمل مدرسا قبل ان يتدرج في المناصب ليصل الى منصب الحاكم، وللقاسمي فكر مختلف في الكثير من جوانب الحياة جعله يهتم بالكتاب قراءة وتأليفا.
وكان له قبل فترة مقولة تكتب بماء الذهب وتضع خارطة للعمل يعتمدها كل موظفي الدولة كونها وردت على لسان شخص يأتي على قمة هرم السلطة والادارة وذلك حين قال أمام الحضور ووسائل الاعلام «حاسبوني قبل ان يحاسبني رب العالمين»، هذه الكلمات تستحق ان تعلق في الطرقات والاماكن العامة حتى تكون نموذجا لكل صاحب سلطة مهما كانت حدود سلطته.
القاسمي خلال حديثه استغرب كيف ان مظالم ومآسي الناس لا تصل الى الحاكم والمسؤول، ويزيد استغرابه ان هذه المظالم لا تحتاج سوى «جرة قلم»، على حد تعبيره. فكم يحتاج الوطن العربي مثل هذا النموذج في وقت زادت فيه هموم الناس ومآسيها؟ في وقت انتشر جوع يقابله اسراف وتبذير في جانب اخر من المشهد؟ وفي وقت ضاعت فيه الحقوق لانشغال المسؤول او تجاهله لهذه الحقوق.
هذا المسؤول الذي لو كان يفكر في محاسبة رب العالمين له لما غادر مكتبه وهو يعلم ان هناك من ينتظر قراره لإنصافه، وهنا أستذكر نموذجا آخر جميلا وهو الاديب والوزير السعودي غازي القصيبي، رحمه الله، الذي قال «لم أنم يوما وعلى مكتبي ورقة تتوقف على توقيعي».
نعم انها الادارة بما يرضي الله خوفا من حسابه وطمعا في رحمته. بمثل هؤلاء القادة والمسؤولين يبنى الانسان وتبنى الاوطان، فالبناء الحقيقي لن يكون يوما بناء اسمنتيا او طرقات وناطحات سحاب، البناء هو الفكر والثقافة التي من خلالها تعمر الارض بالعدل والمساواة.
في الكثير من الدول المتقدمة يقدم المسؤول عصارة افكاره وخبرته في الجامعات والمنتديات للاستفادة منها ولتكون أرشيفا وارثا للأجيال القادمة، وكم اتمنى ان تكون هناك محاضرات وندوات للكثير من رجال الخليج المميزين ومنهم د.سلطان بن محمد القاسمي.. هذا ودمتم.
[email protected]