حانت ساعة الصفر، والمآذن تصدح بالنصر، والتكبير يعلو من كل حدب وصوب يعانق أعناق السماء فرحا ببزوغ شمس النهار، وحناجر المقدسيين تهتف «الله أكبر أقصانا ينتصر وإسرائيل تحتضر».
فبعد أطول احتلال على مر الزمن، وبعد حصار كامل لقطاع غزة منذ 2006 في سجن جماعي شنيع يندى له جبين الإنسانية وتستنكره قامات الحرية، وبعد معاناة مريرة كابد فيها الشعب الفلسطيني ذل التشريد والتهجير، ووحشية القتل والتعذيب، وخزي الاختطاف والاغتصاب، تنتفض أرض الإسراء عن بكرة أبيها وتشتعل نيران الانتفاضة الفلسطينية من جديد.
هبت الشعوب العربية والإسلامية لنصرة الأقصى، فارتباط مشارق الأرض ومغاربها بالأقصى وفلسطين هو ارتباط عقائدي وليست مشاعر وانفعالات عابرة، لا أحد يزايد على حبنا للأقصى، والقضية الفلسطينية قضيتنا الأولى، وتحرير الأقصى وفلسطين لا يقتصر على المقدسيين المرابطين في أكناف بيت المقدس، بل هو واجب على جميع المسلمين.
قال الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله: «علموا أولادكم أن فلسطين محتلة، وأن المسجد الأقصى أسير، وأن الكيان الصهيوني عدو، وأن المقاومة شرف، وأنه لا توجد دولة اسمها إسرائيل»، مقولة نقشت في قلوبنا، ورضعناها صغارنا، وتربت عليها أجيالنا.
المحابر تكتب، والمنابر تخطب، والبنادق تهتف الله أكبر، ووسائل التواصل تندد، وإنسانية شعوب العالم تشجب وتستنكر وتطالب حكوماتها بحق الشعب الفلسطيني المشرد في أصقاع المعمورة منذ عام 1948 بالعودة إلى وطنه، ومنظمات حقوق الإنسان تستصرخ الضمير العالمي الإنساني وتدين كل المجازر وأنواع العنف المرتكبة من قبل العدو الغاشم بحق شعب أعزل ومحاصر ضاربين بعرض الحائط كل المواثيق الدولية والحقوق الإنسانية.
وفي آخر أيام شهر رمضان المبارك، دارت ملحمة بطولية حقيقية وليست من نسج الخيال والإعلام في ساحات الأقصى الشريف، سطر فيها أبطال بيت المقدس أروع البطولات والتضحيات، وها هم المسلمون يلهجون بالدعاء بوحدة الصف والثبات على الأمر وتحقيق النصر.
لا نزايد على قضيتنا في مؤتمرات التطبيع، ولا على طاولات سماسرة الخيانة والمتاجرين بالقضية الذين يقتاتون على معاناة الشعب الفلسطيني في أسواق النخاسة الدولية، إنها مقدساتنا وقضيتنا التي تسري في عروقنا وتؤرق مضاجعنا وضعناها نصب أعيننا إلى ساعة الصفر وتحقيق النصر.
توقفوا عن ترديد تلك الدعاية التي ملأت الأرجاء وصار يتشدق بها العرب قبل اليهود أن الشعب الفلسطيني خائن وهو من باع أرضه ووطنه لليهود، والآن يتباكى على أرضه في المحافل ووسائل الإعلام، والحقيقة أن المتتبع للتاريخ يرى أن نسبة الفلسطينيين الذين باعوا أرضهم كانوا تحت التهديد وقوة السلاح وقد كانوا أقل من (1%).
وقد قامت الحركة الوطنية الفلسطينية في ذلك الوقت بمطاردة نسبة الـ (1%) واغتيال أغلبهم، وأن أكثر من (99%) من الفلسطينيين لم يبيعوا ولم يفرطوا بحفنة تراب من أرضهم، بل كانوا وما زالوا أسطورة فريدة في النضال والكفاح في مواجهة أشرس وأبشع محتل عبر التاريخ، ومن الظلم أن يؤخذ شعب كامل بجريرة ثلة شاذة قامت بالبيع تحت تأثير التهديد والتخويف، قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).. فاطر - الآية 18.
تيقن يا عربي وأنت يا مسلم أننا في حرب إعلامية نفسية شرسة مع اليهود الغاصبين وأعوانهم، وأننا في زمن الكلمة والصورة والثورة المعلوماتية، حيث باتت تدار الحروب والتأثير على الرأي العام وغسل أدمغة الشعوب من خلال وسائل الإعلام ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، بل باتت قوة الكلمة والصورة تفوق قوة الصاروخ والدبابة.
القدس في قلوبنا وجزء من عقيدتنا، وعلى أفراد الأمة الإسلامية وقادتها وعلمائها أن يترفعوا عن كل الخلافات، فمن الحكمة أن تطرح النزاعات جانبا وأن تتوحد الأمة الإسلامية صفا واحدا كالبنيان المرصوص، معتصمة بحبل الله المتين، وهذا هو حجر الزاوية في حل القضية الفلسطينية.
فمن دواعي النصر والتمكين تحكيم شرع الله عز وجل وطاعته والرجوع إليه سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: «الطريق إلى القدس طريق واحد لا بديل عنه هو الإيمان والتقوى والعمل الصالح، وما ضاع المسجد الأقصى إلا لأننا فرطنا في إيماننا وضيعنا معالمه وأوامره...».
والمسجد الأقصى يستصرخكم ويذرف الدموع في أحضانكم، فالخطب جلل والحقيقة أدهى وأمر.
اللهم أنت عضدنا، وأنت نصيرنا، بك نحول وبك نصول وبك نقاتل.
ويبقى هناك بصيص أمل ووعد رباني محقق ألا وهو «أقصانا ينتصر وإسرائيل تحتضر..!».
ebtisam_aloun@