جعفر محمد
في علم النفس هناك قاعدة يطلق عليها «التوافق الذهني العضلي»، وهي قاعدة تعبر عن الانسجام التام الذي يحدث للعضلات الارادية في جسم الانسان مع خلايا وأعصاب المخ، حيث يصب الاثنان في اتجاه واحد حتى يبلورا معا النتيجة الايجابية، وهذه القاعدة أو الآلية ليست حكرا على ممارسي الرياضة التي تقوم على العنف كالكاراتيه، أو تلك التي تقوم على التفكير العميق كالشطرنج، إنما هي قاعدة شمولية تنطبق على كل مجالات العمل بما فيها الحقل السياسي، ففي دول العالم المتحضر تجد أن السياسي حين ينفعل يقول أفضل الجمل ويطرح أفضل الحلول، بينما هنا في الكويت تحديدا ورغم غرورنا الزائف بعمق تجربتنا الديموقراطية التي استمدت من واقع مجتمعنا المحافظ، المتكاتف المتآلف منذ عشرينيات القرن الماضي، مازلنا نفتقد هذا التوافق الذهني العضلي الذي يعد لبنة أساسية لممارسة الدور السياسي ويعتبر من أبجديات العملية السياسية، فأي جهل بــــعد هذا الجهل، فحين تنظر لليبراليين تراهم يتصيدون عــــلى معسكر الإسلاميين، وحين تنظر للإسلاميين، والذين يفترض فيهم معرفة هذا المبدأ الذي يقابله في الدين الإسلامي إتقان العمل، تجد أنهم لا يتباطأون لحظة لتكفير وإعدام كل رأي يختلف معهم لا أكثر، وترى هنا وهناك شتى الأطياف يأخذون هذه القاعدة على أنها لا تمثل شيئا، بينما هي كل شيء، ففي الكويت الكبيرة بكل شيء تاجر يعدو للمضمار السياسي، ومسؤول يريد احتكار التجارة، وسياسي يتدخل في الرياضة، وقبلي يمقت الطائفية، وطائفي يجرم الانتخابات الفرعية، وجاهل يتصدر المجالس وخائن يصـــنف الناس، وســــارق يربي الأجــــيال.
والله ثم والله، إن التوافق الذهني العضلي بريء كبراءة الذئب من دم يوسف من أهل الكويت، فهم ألفوا وابتدعوا قاعدة جديدة لا وجود لها إلا في الكويت وهي التوافق اللفظي اللفظي، فكل الفعاليات بمجملهم اللهم الا البعض القليل جدا، فكل الكويتيين توافــــقوا ذهنيا على الكلام والنقد بكل أدواته، إلا أنهم مشـــلولو الأجساد، عضلاتهم ضامرة وإرادتهم معطلة مجلسا وحكومة، فلا قرار غير الكلام ولا إنجاز غير الكلام وإلا بماذا نفسر تجاوز النواب لحدودهم الدستورية، وبماذا نفسر تقاعس الوزراء وخوفهم من أداء مهامهم، وبماذا نفسر خجل التجار من مواجهة أعداء التنمية، وماذا نقول لأولادنا مستقبلا إن سألونا عن سكوتنا المطبق؟! فوالذي فلق الحبة إن الإعاقة التي أصابت الجسد الكويتي وكبلت إرادته ليست قوى الفساد المزعومة، إنما هي دعوات الإصلاح المشؤومة التي لم يترجم منها أصحابها ألف باء نواياهم، فبعد كل هذا، هل لنا من اختصاصي نفسي يضع لنا الحل قبل أن تتحول الكويت إلى مستشفى للطب النفسي أسرّته كراسي المسؤولين، وأجنحته المجلسان؟!
كلمة راس
ذكر تقرير نشر قبل أيام أن عدد الحالات التي تراجع مستشفى الطب النفسي بلغت نسبتها 70%، وتشاءم البعض إلا أنني تفاءلت بأن البعض قد عرف العلة فلجأ للحل. فمستشفى الطب النفسي لا يقل أهمية من اي مستشفى آخر، بعيد الشر عنكم.