ديوان سمو ولي العهد
سبع سنوات مرت على رحيل أمير الكويت الرابع عشر الأمير سعد العبدالله السالم الصباح ـ طيب الله ثراه ـ ولم تغب صورته وذكراه عن الكويتيين الذين تمتزج أحاسيسهم ومشاعرهم ألما لفقدان الراحل الكبير ووفاء وتقديرا وعرفانا لسموه ودوره في بناء هذا الوطن.
انه فارس التحرير، رجل المهمات الصعبة، مثال التضحية والولاء لهذا البلد الطيب أهله، هذا الرجل الذي كان خير سند للمغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، في الاضطلاع بالمسؤوليات الوطنية وبمساعدة رفيق دربه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله، فملك حب الناس وتقديرهم.
في مثل هذه الأيام من كل عام تحوطنا ذكرى وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله ونجد أنفسنا جميعا من فيض عبير محبته وعطر شمائله وعظيم مجده الذي رسخه كقائد لا ينسى وزعيم قدم نفسه فداء لوطنه، ورسم لبلده طريق العزة والكرامة فرفع عنه محنا كادت تعصف بمستقبله ومستقبل أجياله القادمة.
الكويتيون جميعا يتذكرون الشيخ سعد رجل المهمات الصعبة، وهو يتابع كل صغيرة وكبيرة أيام الغزو الغاشم، يصل الليل بالنهار في عمل دائب لا ينقطع ولا يهدأ من أجل تحرير بلده من الغزاة، وتمكن باقتدار من مواجهة المشكلات وتذليل جميع الصعاب.
نتذكر جميعا هذا الرجل القائد الذي كان له الفضل الكبير بعد الله عز وجل في إنقاذ الشرعية وذلك بتغيير خط سير سيارته من التوجه إلى قصر بيان الى التوجه لقصر دسمان، حيث نجح في إقناع الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، بمغادرة قصر دسمان بعد ان أيقن بفطنته وحكمته أن أول متطلبات الدفاع عن كيان الكويت تأمين سلامة أمير البلاد رحمه الله، ثم توجه بعد ذلك الى المملكة العربية السعودية حيث وجه من هناك خطابا الى الشعب الكويتي يحثهم فيه على الصمود والتصدي ويشد أزرهم، واستطاع سموه برباطة جأشه بث الطمأنينة في قلوب الشعب ودعاه للالتفاف حول قيادته.
ويجب ألا يظن البعض أننا نتذكر أميرنا الوالد هذه الأيام فقط، فالواقع انه يعيش معنا وبيننا، وفي كل لحظة وفي كل حدث تتدافع في ذاكرتي الذكريات التي عشتها في كنف سموه خلال سنوات تكسوها تيجان من أزاهير النجاح وأشعر أن تلك السنوات التي خلت منذ رحيله ما هي إلا ثوان مرت دون أن تمحو من ذاكرتي الممتلئة بساعات طوال من العمل لا تكفي مجلدات لسردها.
رأيت أميرنا الوالد ـ طيب الله ثراه ـ يصارع أمواج الأزمات فلا ينحني لها أو يهادن فيها ولا يثنيه عن عزمه تراجع آخرين او لينهم ، رأيته يقف مقداما يجود بنفسه لأجل الكويت وأهلها فيحنو على صغيرهم ويوقر كبيرهم ويعزز ضعيفهم ويرعى أمانة مجالسهم ويحافظ عليها، كل ذلك بدعم أخيه أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه وبمساندة من رفيق دربه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه الله وأطال بعمره.
كنت مازلت شاهدا على حجم العطاء المتدفق لأميرنا الوالد الذي توارثه من أسلافه، كما كان هبة خصه الله بها ولم يكن ذلك وليد منصب او مكانة بل كانت تلك طبيعته وسماته الشخصية التي تكسو سمته الرسمية، فلم يتعامل مع أبناء الكويت الا كمواطن يعيش بينهم ومعهم يشعر بمرادهم ويستجيب لمطالبهم انطلاقا من كونهم القلب النابض للوطن الغالي الكويت.
ويجدر بي في هذا المقام الإشارة إلى رؤيته الخاصة في التنمية البشرية لأبناء الكويت وحرصه على الشباب باعتبارهم الركيزة الأساسية لراية المستقبل الذي كان يحلم به.
ولقد رأيت روح الشباب تملأ قلبه وعقله إيمانا منه بأن بناء الكويت رهن بما يحمله الشباب من علم وما يتسلح به من قيم وطنية ولهذا كان سموه حريصا على النهوض بالمؤسسات التعليمية ولم يتوان أو يغفل عن القطاعات الأخرى في الدولة، فكان حريصا على دعم الرياضة الكويتية التي كانت سفيرا للكويت في المحافل الدولية وكان ذلك ايضا بجهود القائمين عليها.
وكعادة العظماء لم تخل حياة الأمير الوالد من المبادرات الإنسانية التي ستظل دروسا يتعلم منها الصغير والكبير ومن هذه البوادر الكثيرة، انه عندما كان ـ طيب الله ثراه ـ سائرا بسيارته الخاصة وبدون موكب وحرس مع سائقه على طريق الدائري السادس، فوجئ بحادث على الطريق فقام سموه رحمه الله بنفسه بإسعاف رجل أصيب بالحادث ونقله الى مستشفى الفروانية وادخله الى الحوادث واطمأن على حالته قبل ان يغادر ويتركه في رعاية الأطباء بالمستشفى الذين أوصاهم بالاهتمام به وإجراء العلاج اللازم له وتابعه عن طريق مكتبه الى ان خرج من المستشفى، فلم تمنعه مشاغله ومركزه من متابعة هذا الإنسان البسيط واسعافه بنفسه.
كل هذه المواقف وغيرها المئات جعلتنا نتساءل:
من الذي يضاهي سعدا في حكمته وعطفه؟، من يضاهي سعدا في انتمائه لوطنه؟، من يضاهي سعدا في اخلاصه وتفانيه لخدمة وطنه وأبناء شعبه؟
تمر الأيام سريعا وتتوالى ويبقى السعد خالدا في نفوس الأطهار والأخيار.. فلقد رحلت يا عزيز القوم وما زالت قلوبنا تتعلق بما تركت، ولم يفلح الزمان في رسم خطوط النسيان أبدا وتبقى حروفنا عاجزة عن البيان بما يليق بمقامك الكريم ومنزلتك السامية في نفوسنا.
تمر الأيام وإنجازاتك شاهدة على خلودك في التاريخ وستظل حكمتك سماء يستظل بها من يبغي الحكمة وستظل رؤاك ضياء لمن يبغي الضياء.
تتجدد الذكرى لتلقي أضواءها على سيرة شيخ تاجه العزة وشيمته الحق وميزانه العدل وتاريخه الناصع ينضوي في سجل الخالدين.
تتجدد الذكرى ونحن نعجز عن صياغه مشاعر فياضة لأميرنا الوالد لكن يكفينا ان نلتمس عبيره ونتأمل رؤاه لنعرف ان سمو الشيخ سعد كان ولايزال رمزا حاضرا بيننا ولا يمكن للزمن أن يغيب مآثره الإنسانية والقيادية.
وفى الختام رحم الله أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، ورحم الله الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، وحفظ الله الكويت وشعبها من كل أذى بقيادة حضرة صاحب السمو أمير البلاد والإنسانية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله صمام أمان البلاد بعد الله عز وجل، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح صاحب القلب العطوف حفظه الله.
قال الشاعر:
إذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام