منذ أن وضعت الدولة على عاتقها حماية القانون والدفاع عنه، قامت بتحديد السلطة القضائية لإضفاء الحماية على النظام القانوني وإزالة عوارضه لإنفاذه على أرض الواقع، ولذلك وضعت الدولة تشريعات إجرائية تنظم وتحكم نظامها القضائي وتضفي عليه مبادئ أساسية للتقاضي يستظل بها.
وانطلاقا من الدور المنوط تحقيقه للرؤية الموضوعة من جمعية المحامين الكويتية فقد تمت دراسة جميع المقترحات التي قد قدمت لمجلس الأمة في شأن الإعلان الإلكتروني، ومقارنتها بقوانين المرافعات للدول الخليجية والعربية ومدى إمكانية تنفيذها داخل الكويت للوصول لنظام تكاملي شامل لا يشوبه أي ثغرات بداية من تسجيل الدعوى وإعلان الخصوم إلكترونيا، وإصدار حكمها، وانتهاء بالتنفيذ وإجراءاته، كما سعينا جاهدين إلى وضع مشروع بقانون خاص في المجال القضائي الإداري لتقديم مجموعة من الخدمات الإلكترونية وتوفير قاعدة بيانات كاملة لها، وذلك عن طريق استبعاد الإجراءات الروتينية وتحويلها لصيغ إلكترونية تمكننا من إنشاء مركز معلومات يمثل بنية تحتية متكاملة تهدف إلى ربط جميع المحاكم والدوائر بقاعدة بيانات وقنوات إجرائية تفاعلية.
لذا فإنه من أهم المبادئ القضائية (مبدأ المواجهة) بين الخصوم الذي لا يتحقق إلا عندما تكون جميع إجراءات القضية ونطاقها ومراحلها معلومة للطرف الآخر في وقت معقول لضمان ممارسة حقوق الدفاع، ومن مظاهر هذا المبدأ (الحق في الإعلان) هذا ما نحن بصدده اليوم، والذي يعتبر حقا للمدعي في البدء وسير الإجراءات وبالنسبة للمدعى عليه له الحق في أن يعلم بالإجراءات علما حقيقيا غير مفترض.
ينصرف الإعلان إلى تبليغ الأحكام القضائية وصحف الدعاوى والطعون وتجديد الدعاوى بعد الوقف أو الشطب وتوجيه الإنذار والتنبيه وكل ورقة قضائية يراد إيصالها إلى علم الخصم التي تعلن عن طريق المحضر القضائي.
وإذا تم الإعلان وفق الشكل الذي يقرره القانون فلا يجوز الادعاء بعدم العلم لأن القانون يفترض العلم القانوني الذي يتحقق بالإعلان القانوني دون الاعتداد بالعلم الواقعي.
ووفقا للتطورات السريعة والمستجدات التي كان لها دور في شتى مناحي الحياة بات من الضروري تسخير التطورات لتحقيق «لوجستيات التقاضي» أي تحقيق العدالة بأقل وقت وجهد وتكلفة، والسير باتجاه الإعلانات الإلكترونية والتي يسعى مجلس الأمة حاليا لإنجاز تعديلات على أحكام المرسوم بالقانون رقم 38 لسنة 1980 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية فيما يخص الإعلان الإلكتروني.
وفي التعديل الجديد لهذا القانون فتح باب استغلال التكنولوجيا في تيسير الإجراءات القضائية، بل وترك مسألة تعريف الوسائل الحديثة دون نطاق أو تعريف محدد بعينه لإمكانية استيعاب أي تطور تكنولوجي في المستقبل، بالإضافة إلى أن التعديل أجاز استثناء الإعلان بالطرق العادية التقليدية الإعلان على يد المحضر أو القائم أو مندوب الإعلان في حالة تعذر الإعلان الإلكتروني واضعا بذلك العديد من الاعتبارات التي تضمن سلامة إجراء الإعلان دون أن يحيد عن هدفه الأساسي وهو العلم بالإجراء وموضوعه.
وبذلك تكون اللجنة التشريعية داخل مجلس الأمة خطت خطوات إيجابية بإدخال التكنولوجيا والإعلان الإلكتروني في أحد مجالات العمل بالقضاء، والذي لا يكمن مدى فاعليته في تحقيق العدالة الناجزة فقط، بل وفي عرض المزايا التقنية لاستخدام الوسائل الإلكترونية كالبريد الإلكتروني أو الرسائل النصية SMS حتى وإن وجدت معها أيضا خيارات تقنية مشتركة جديدة معتمدة ومبرمجة، وبهذا يتم تفادي الأخطاء الواردة من المحضر أو المكلف بالإعلان فالأخطاء في وظائفهم واردة، بل ونتفادى عدم دقة الإعلان (من حيث آليته أو مكانه أو زمانه) ليس فقط من القائمين على عملية الإعلان، بل حتى ممن أجاز لهم القانون تسلم ورقة الإعلان بدلا من المعلن إليه شخصيا لإيصاله فيما بعد إليه.
بالرغم من التعديلات التي مر بها قانون المرافعات رقم 38 لسنة 1980، وأضافت فقرة رابعة للمادة الخامسة بالقانون رقم (36) لسنة 2002، قد اقتصرت على أن يتم الإعلان في المواد التجارية بالطريقة المتفق عليها من ذوي الشأن، إلا أن الواقع العملي لهذا التعديل لم يصادف تطبيقا له من الناحية العملية، إذ لم يشهد القضاء الكويتي ثمة اتفاقا بين ذوي الشأن على استخدام هذه الطريقة المستحدثة، لسبب بسيط وهو أن ذوي الشأن لا يضعون في اعتبارهم مرحلة المفاوضات أو التعاقد أو نصوص تتعلق باستخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة في الإعلان، لذلك ومن هذا المنطلق فإننا في وقت قد حان فيه التعديل في مواد الإعلان في قانون المرافعات المدنية والتجارية تعديلا جذريا يتيح استخدام التقنيات الحديثة في عملية الإعلان، ومن ثم فقد تناول القانون رقم (26) لسنة 2015 تعديل المادة الخامسة من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وفي المادة الأساسية والخاصة بالإعلان من هذا القانون، قد تم استبدال نص جديد في فقراتها الرابعة على جواز الإعلان برسالة هاتفية مكتوبة (فاكس) أو بأي وسيلة اتصال إلكترونية قابلة لحفظه واستخراجه.
وبهذا قد اعتبر المشرع الكويتي التقنيات الحديثة في الإعلان هي الأصل الذي يجب أن يتبع إلا أنه لم يتم تنفيذ تلك التعديلات إلى وقتنا هذا بالشكل الأمثل الذي يدفع بالتقدم التقاضي نحو المزيد من تحقيق (لوجستياته) التي كان يفترض تحقيقها سابقا وفي الوقت الراهن، من تأجيل الكثير من الجلسات والتي أصبحت متراكمة، وفي إعادة إعلانها مرة أخرى وترتبيها سوف يحدث مزيدا من العقبات التي ستواجهنا حينما تبدأ المحاكم في العودة مرة أخرى.
ونستنتج مما عرضته سابقا أن المشرع الكويتي تميز بالمرونة من حيث انه لم يسمح بالإعلان الإلكتروني حسب تقدير وسلطة المحكمة بل بقوة القانون مباشرة، وفي الوقت نفسه لم يسمح قانون المرافعات الكويتي وتعديلاته الجديدة بالإعلان الإلكتروني فيما بين الخصوم دون وسيط معتمد بل اشترط أن يتم بواسطة الجهة المختصة المكلفة بالإعلان لتكون الجهة المشرفة والمعتمدة للإعلان، مما يحدث نوع من التباين في السياسة التشريعية من حيث القوانين الجرائية، وفي المقابل يتم تخويل السلطة التنفيذية (وزير العدل) سلطة وضع التنظيم القانوني من خلال لائحة أو قرار تنفيذي، حيث تسعى وزارة العدل وجميع القائمين عليها إلى التوجه للإعلان الإلكتروني بين المتقاضين للمساهمة في تبسيط إجراءات التقاضي وتسريع وتيرة الفصل في القضايا وإنجاز العدالة في اقصر وقت وتقديم خدمة افضل للمتقاضين، وكلنا ثقة في جدية وزارة العدل لتطبيق ما نصبو إليه خصوصا بعد أزمة كورونا وما تسبب فيه من تعطيل العمل القضائي فالعمل الإلكتروني هو الوسيلة الفضلى لتسهيل شؤون المتقاضين والقضاء على أي فساد إداري قد يعوق عمل العدالة وتمكين المراجعين من إتمام كل الخدمات القضائية والتوثيقية دون الحاجة لزيارة المحاكم.
بتمعن النظر في قوانين المرافعات لأشقائنا في دول الخليج، نجد أن النظام السعودي رسم طريقا أكثر مرونة في التبليغات القضائية، فأصدر قرارا بقانون رقم (89) لسنة 2018 باعتماد البريد الإلكتروني والرسائل النصية القصيرة لإعلان الأوراق القضائية في الدعاوى المدنية والتجارية والجنائية، حيث يتم الإعلان عبر الوسائل الإلكترونية بثلاثة طرق لإضفاء حجية ثبوت تسلمه أولها أن يتم التبليغ عبر الرسائل النصية بإرسالها إلى الهاتف المحمول للمبلغ شريطة أن يكون موثقا لدى الجهة المختصة، وبينت أن الحالة الثانية هي أن يتم التبليغ بالمراسلة على البريد الإلكتروني للشخص الطبيعي والمعنوي إذا كان مجال البريد الإلكتروني عائدا للمبلغ أو كان مدونا في عقد بين طرفي الدعوى أو في الموقع الإلكتروني الخاص به أو موثقا لدى جهة حكومية، أما الحالة الثالثة فهي أن يتم تبليغه عبر أحد الحسابات المسجلة في أي من الأنظمة الآلية الحكومية، ويتم الإعلان عبر الأنظمة الإلكترونية المعتمدة لدى وزارة العدل.
نصل إلى محطتنا الأخيرة التي تعتبر بمنزلة التطبيق العملي للإعلان الإلكتروني بعد إقراره المرتقب من مجلس الأمة وهي إطلاق حملة توعوية من جانب وزارة العدل للمواطنين والمقيمين للتعريف به، وإطلاق برنامج يتم تسجيل جميع البيانات الخاصة بهم، ويسمح هذا البرنامج بإظهار صورة صحيفة الدعوى القضائية أو أي دعاوى قضائية تسري بحق المستخدم، وتدريب العاملين بالوزارة وإكسابهم الخبرات المطلوبة لرفع كفاءتهم فضلا عن توفير بريد إلكتروني لكل مندوب إعلان سيعمل على نظام الإعلان الإلكتروني، وتوفير دورات متخصصة لكيفية إرسال صحف الدعاوى وتلقيها، بالإضافة إلى تأكيد العناوين الهاتفية والإلكترونية.