رسمت الدولة طرقا لمكافحة الفساد بشتى أنواعه بل والتنبؤ به من خلال إحصائيات ومؤشرات وضعتها لتقف له بالمرصاد، تلك المؤشرات تختلف من دولة لأخرى حسب تجريم الأنشطة غير المشروعة بها وذلك لتحاربه قبل استشرائه، وانطلاقا من هذا اختلف الدور الذي تساهم به أجهزة الدولة في مجال مكافحة الفساد، ففي الكويت توجد العديد من الأجهزة الرقابية الحكومية بالإضافة إلى الدور الرقابي الذي يقوم به مجلس الأمة.
فمن المفترض أن تراقب هذه الأجهزة الحكومية الأداء المالي للجهات الحكومية، وحماية المال العام من الهدر والسطو عليه، لاسيما في ظل ما نمر به الآن من تحقيقات جارية في كثير من قضايا الفساد التي تشغل الرأي العام، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أين هذه الجهات الرقابية من كل تلك القضايا، فللأسف كل القضايا الموجودة لم يتم الكشف عنها من جانبهم، بل انهم فوجئوا بها مثلهم مثل البقية، وكأنهم معصومو العيون حتى ولو كانت معظم هذه الهيئات ما هي إلا مجرد تدابير وقائية تكافح بها جرائم الفساد، لنصبح أمام إشكالية في ممارسات تلك الجهات الرقابية، والتي يوجد بينهم فارق في الالتزامات التي يؤدونها والتي لا تصل أحيانا للتطبيق الفعلي المرجو منها، فالقوانين التي سنت لفاعلية تلك الهيئات مجرد حبر على ورق، لم يقم بتحصيننا على الأقل من الهجمات الشرسة التي تتعرض لها الكويت من آن إلى آخر حتى أطاحت بسمعتها الدولية وجعلتها في مقدمة دول غسيل الأموال التي يسمح نظامها المصرفي وقوانينها بمرور هذه الأموال مرورا كريما، لا يشعر بوجوده أي جهاز من تلك الأجهزة، لتتحول الممارسات التي تعد فسادا إلى ممارسات مشروعة وقانونية مشوها دور تلك الهيئات ومعرضا سيادة القانون للخطر وبالتالي فساد الإدارة العامة، لينخر في قدرة الحكومة ويقف عائقا في وجه التنمية بالإضافة إلى حالات عجز الموازنة وزيادة كلفة العمل التجاري في القطاع الخاص من خلال زيادة سعر المدفوعات غير المشروعة.
كل ذلك كان له أثر جلي أمام منظمة الشفافية العالمية ليتراجع مؤشر مدركات الفساد للكويت 2020 ويصل للمركز 85 دوليا بعد أن كانت في 2018 في المركز 78 لتصبح الأخيرة خليجيا والتاسعة عربيا، ليضعنا مؤشر مدركات الفساد في موضع لا نحسد عليه، فيجب علينا الآن ضرورة الانتقال من حالة التذمر والشكوى إلى خطوات عملية جادة لمواجهة الفساد تؤدي بدورها إلى تجفيف منابع الفساد وتمنع أسبابه وتحاسب المتسببين في جرائم الفساد واسترجاع الأموال العامة التي تعرضت للنهب والسرقة من خلال الإجراءات القانونية على الصعيدين المحلي والدولي مما يستوجب جدية التحرك والتضافر بين الجهات السابق ذكرها أو إعادة الهيكلية القانونية والتنفيذية لهم بحيث تكون الأجهزة فعالة لتعمل بشكل أفضل لأنه من الصعب إلغاء وجود هذه الأجهزة، ولكن ليس صعبا جعلها فعالة وتحويلها من أجهزة تتلخص وظيفتها أنها مجرد تدابير احترازية إلى كونها مؤثرة كاشفة لبؤر الفساد.
تمثل الطريقة الأكثر وضوحا للتعامل مع جرائم الفساد هو استخدام ثقل القانون وذلك دائما ما يكون بإمكان البرلمانات التي من المفترض أن تكون المثل الأعلى في النزاهة بجانب أنها تمثل عاملا هاما في محاسبة السلطة التنفيذية بعيدا عن تصفية الحسابات الشخصية، لتفرض سيادة القانون والمواجهة التشريعية في تجميع التشريعات الخاصة بالفساد من أول لحظة لحدوث الجريمة وصولا لاسترجاع الأموال، بحيث تكون الصياغة القانونية فنية محكمة واضحة، كون القوانين في بعض الأحيان تكون سببا في ارتكاب الجريمة لعدم تحديدها ووضعها بشكل غامض، ومن هنا تأتي الأهمية في تعزيز دور النواب في المبادرات التشريعية وفي مدى قدرتهم على صياغة التشريعات، مع مراعاة أن تستند الصياغة القانونية إلى معايير الشفافية التي تتيح للجمهور الاطلاع عليها بأبسط الطرق.
نحن حاليا نقف في مواجهة السلطة التنفيذية الذي انحسر دورها في تقييم الأداء وتقديم التقارير الدورية والمستمرة للمسؤول، وعدم مطابقتها للواقع وفحصها كما يجب، فإذا تمت مطابقتها لم نكن لنصل إلى ما نحن عليه الآن، وتعنى المطابقة هنا التصرفات للمسؤولين وأعمالهم التي يقومون بها وفي حالة تجاوز القانون تأتى المحاسبة والتحويل للجهات القضائية بغض النظر عن منصب مرتكب الجرم، طالما اقترف سلوكا شابه انتهاك للقانون سواء لتحقيق مكاسب شخصية أو مادية، بل وأن تتم المحاسبة بشكل معلن لمنع تدخل اي طرف خارجي.
٭ في النهاية: كثرة الأجهزة المراقبة للفساد لا تحسن بالضرورة مؤشرات الفساد وإنما قد تصبح عائقا لها، فما الفائدة إذا كانت السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية غير متعاونة ومكملة لبعضها البعض، فهذا التعاون هو الدور الأساسي الذي يعبر عن الشفافية الحقيقية داخل الدولة ذاتها، فكلما ضعف الجهاز التشريعي ضعف معه الجهاز القضائي مما يشجع الكثير من الفسادين على التهرب من العدالة باستخدام نفوذ الضغط على من يتولى اعداد التشريع وهنا نخرج عن مبادئ الحيادية التي رسمت للمشرعين، لنقع فريسة سهلة تتحكم بها المصالح السياسية والخاصة وانعدام الثقة في تطبيق القانون.
[email protected]