سألتني: أين مجنون ليلى وعنترة عبلة و«خبل» بثينة؟!
تقول: أليسوا رجالا كتاب الأشعار والكلمات الغنائية التي تهيم بنا بين أجنحة الحب الملائكي ونحلق بها فوق سحاب الأمل بأن مازالت قلوب الرجال قادرة على منح الحب لامرأة؟!
إذن ما الذي يحدث للنسوة أخيتي؟ جميعهن بلا استثناء، وإن كان هناك فلا أعلم عنه، يشتكين من الجفاف العاطفي والجفاء الذكوري والحياة الزوجية الرتيبة الخالية من الحماس المليئة بالانتقاد واللوم وتوجيه السهام علينا باعتبار أننا مسؤولات عما سبق وكأن الرجل ليس شريكا في الحياة الأسرية ومجرد «زوج زائر»!
قلت: السبب هو «التوقعات التعميمات المسلسلات الفاشينستات»!
قالت: «ممكن تفصيل لو سمحتي»؟!
قلت: التوقعات أننا، رجالا ونساء، ندخل العلاقة الزوجية ولدى كل منا توقعات من الآخر، لاحظي من الآخر، بينما لا يحمل أحدنا نفسه جزءا من تحقيق تلك التوقعات أو عدمه، ومع الوقت والتماس مع الحياة وتحول الرومانسيات الأولى من نظرات ومديح وغزل ومجاملات، إلى إيجار وأقساط وسكر وأرز وتموين، ثم إلى حفاظات أطفال وواجبات مدارس واجتماعات أولياء أمور، تحدث الرتابة التي تتحدثين عنها، ومع الوقت والملل تتواضع التوقعات حتى تتلاشى، ولكنها تبقى في الذاكرة وكلما شاهدنا مسلسلا يحاكي الحب والعشق تظهر على شكل الشكاوى من الجفاء العاطفي.
وهكذا حتى فجأة نجد أحدنا فوق قبر الآخر يقول: كيف وصلنا إلى هنا ولم نعش حياة سعيدة معا؟!
أما التعميمات فهي ما ذكرت أن الكل والجميع يشتكي، وهذا غير علمي ولا دقيق وصفيا ولا احصائيا ولا منطقيا، هناك زيجات سعيدة، وأسر تعيش الهناء بتفاصيله، هؤلاء رضوا وصبروا وجاهدوا وفهموا أن الزواج شراكة وأن الأسرة شركة عائلية الربح والخسارة يقعان على الجميع فلم يسع طرف لكسر الآخر ليربح هو لأنه يعلم أن جبر كسور العلاقات يترك الندوب، وهي تشوه الصورة العائلية المعلقة في جدران القلوب، فالاثنان مسؤولان وليس طرفا فقط والآخر بريء.
وانظري للمسلسلات، لقد غزت الغرف الخاصة وليس فقط صالات الجلوس العامة للعائلة، حيث المقارنات والانتظار أن تكون ممارسات الشريك قريبة من البطل أو البطلة، بينما هؤلاء أبطال شريط سينمائي وليس من حسن إدارة الحياة وضع استقرارنا على المحك إن لم يتصرف شريكنا كما يفعل البطل الأنيق الرشيق أو أن ينتظر الزوج من امرأته الكمال وتمام المظهر الخارجي متجاهلا أن الممثلة رزقها في جسدها وليس في عقلها، فلا تفكر إلا ببقاء رشاقتها وجمالها الذي صار أغلبه اصطناعيا ولا أحد ينكر بل يعلن عنه بفخر.
أما «الفاشينستات» فهاك الفتيات، وللأسف الفتيان، يلاحقن مشاهير السوشيال ميديا في المطاعم ويقلدنهن بالموضة وصارت حياة البنت معلقة بالتجميل والتلميع فأين تجد وقت نفض الغبار عن داخلها؟!
يرونهن قدوات، وهذه أزمة سلوك جمعي افتقد الرغبة في الابداع واتخذ من الطرق السهلة منهاجا، يقلد أولئك ويلحق بهن لجحر الضب، ومع تراجع دور القادة الحقيقيين للرأي العام لترفعهم عن الخوض في الظواهر السلبية، انعدمت تقريبا البدائل وازدحمت الساحة بالغثاء.
عزيزتي، إن تحول أي مجتمع إلى مستهلك بنسب تتفوق عن كونه منتجا مؤشر انخفاض منحنى الحضارة فيه، ولذا فلا يمكن أن تحدث نهضة مع الاستهلاك والاعتمادية ما لم تحدث طفرة تعكس المعادلة، وهي في مجتمعاتنا كأسطورة «حمارة القايلة».
قالت: ذكرتيني «بحمارة القايلة» تدرين إني للحين أخاف منها مع علمي أنها أسطورة؟!
قلت: غطيني وصوتي!