لنبدأ من حيث انتهينا في مقالاتنا السابقة، الأزمة التي يمر بها العالم، وهي شبيهة الى حد ما بالجمر تحت الرماد، وكما ذكرنا في مقالاتنا أن هنالك فاتورة عالية سوف تسدد في القريب العاجل اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، وهو حركة الهروب الى الامام، فلا الحجر على البنوك ولا القوانين التي تحاصرها من كل حدب وصوب ولا الافراط في المنافسة على أسعار النفط ولا خروج البنوك من حلبة السباق يجدي نفعا.
والسؤال الذي يطرح لمن سوف تسدد هذه الفواتير؟ وهل وكيل التفليسة قد حدد أجلا للافصاح عن الديون؟ كيف خرجت الولايات المتحدة من نكبة 2008؟ وما القوانين التي سنت خلال هذه الفترة؟ وهل نحن في الخطة أم انتقلنا الى البديل الاستراتيجي المعد لحالة الطوارئ الاقتصادية؟
لا شك ان الأزمة الاقتصادية العالمية بهذا الشكل تعود إلى عامل الثقة المفقودة، وعودة الثقة إلى الأسواق تحتاج إلى وقت.
هل القوانين التي سنت في الفترة الممتدة من 2008 إبان الأزمة الاقتصادية العالمية و2016 عام نكسة النفط كافية لعودة الثقة إلى الأسواق؟ لذلك نستخلص القول، ان مدى نجاح هذه الخطط البديلة مرتبط بعودة الثقة إلى الأسواق العالمية، وبتوافر الثقة نستطيع أن نحكم على انتعاش هذه الأسواق.
وانطلاقا من هذه المعطيات، هل من الطبيعي المطالبة بنظام اقتصادي عالمي جديد؟ فإذا أخذنا في الاعتبار مفاعيل تأثير أسواق المال على الاقتصاد يتبين لنا أن إعادة انطلاق الأسواق المالية ستبدأ في العام 2019 وفق آخر المعطيات الاقتصادية. وهذا يعتبر قياسيا لحجم الأزمة الاقتصادية، فإذا كان النظام الاقتصادي العالمي غير كفء وأدى ذلك إلى أزمة اقتصادية صعبة، أوليس بالأحري أن نلتفت إلى ديناميكية هذا النظام، ومعدل السرعة القصوى في اعادة انطلاق العجلة الاقتصادية؟
شهد العالم خلال العقود الأخيرة سلسلة من الأزمات الاقتصادية الحادة.
هذه الأزمات اختلفت بطبيعتها وأسلوبها وأسبابها وتداعياتها، حتى في درجة خطورتها على الاقتصاد، باستثناء أزمة عام 1930.
إن تأثير الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ابتداء من أزمات البترول 1975 و1979 و1985، أزمة الأوراق المالية الأميركية في بداية العقد الماضي وحتى الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 وغيرها، ظل محدودا على الاقتصاد العالمي ككل والسبب في ذلك الوقت عدم السرعة في انتشار المعلومة والقدرة على التدخل لاستئصال الورم الذي يصيب اي اقتصاد.
أطل القرن الحادي والعشرون بسلوكه الاقتصادي المختلف: ارتفاع حاد في أسعار البترول، تركيبة معقدة chaos - stochastics في سلوكيات الأسواق المالية، تأثير معاكس في المؤشرات الاقتصادية حتى داخل البلد الواحد، ثبات نسب التضخم على الرغم من ارتفاع أسعار البترول (وهذا سلوك مخالف لكل أزمات البترول السابقة blanchard 2008)، اتباع سياسات مركزية تركز على ثبات نسب التضخم، واهمال الاعتبارات الاقتصادية الأخرى، هذه العوامل وغيرها أثرت في الاقتصاد العالمي ككل بحيث أصبح سلوكه أشبه بالاقتصاد غير المنظم، وذلك بحجة الاقتصاد الحر، حتى أتى عام 2016 وما حمله من نكبات على العالم وما حمل معه من إنذار هدد بأزمة مالية عالمية، ألا وهي أزمة النفط، وجاءت الصدمة بعد ذلك بإعلان دول كانت مصنفة على سلم الالماس في الحصانة الاقتصادية باللجوء الى الاحتياط لسد عجز الموازنات.
عند هذه النقطة، معظم المؤشرات بدأت تأخذ بالانخفاض التدريجي السريع، حيث ان العدد الأكبر من دول العالم بدأ يحصن اقتصاداته باللجوء الى القوانين والتي هي أشبه بقوانين الاذعان، فهل هذا دليل على مرض الأسواق؟ أم عودة الثقة اليها بعد ظهور البيانات المالية للشركات؟ أليس من المبكر الحديث عن فقدان الثقة في الأسواق؟ أم ان هذا يعني بدء فترة العد التنازلي وبداية الأزمة في العالم؟
هذه أسئلة مركزية يستوجب الاجابة عنها خصوصا بعد ظهور دراسات تقول إن الأزمة قد بدأت فعلا في ظل وجود عدة عوامل تؤشر الى عدم ارتفاع أسعار النفط في المدى المنظور، ناهيك عن المرض الذي أصاب القطاع العقاري في العالم، وهنالك استحالة في تعافيه في ظل الحرائق الموجودة في العالم وضعف السيولة الموجودة، ومن هذا المنطلق سوف نتبع تقنية حساب العائد لكل من تلك المؤشرات لنجد ان هنالك أزمة موجودة فعلا ولكنها غير معلنة. القاعدة هنا لمعرفة ما اذا كان العائد المنتج يتجه صعودا نحو صفر أو انه يستمر بالهبوط.
عند نتائج التقييم نلاحظ وبكل بساطة تسليط الضوء على الأسهم الأوروبية واليابانية والتي بدأت فعليا بالهبوط ابتداء من شهر مارس بعكس الأسهم الأخرى، وهذا ما يفسر حقيقة الأزمة في الأسواق الأميركية، أي مركز الاعصار.
ان تشرذم الأسواق وصعوبة توقع ما سيحدث في المستقبل القريب يدل على فقدان الثقة في الأسواق. وان معظم التحليلات تأخذ بالاعتبار عوامل اقتصادية أساسية ومكملة عند التحدث عن الركود الاقتصادي.
ومن هذا المنطلق، يعتبر الاقتصاديون أن عام 2016 هو عام النكسة الاقتصادية العالمية، وان معظم الدراسات تشير إلى أن تأثير الأسواق المالية على الاقتصاد لا تبدأ مفاعيله الا بعد 2019.
وهذا يعني أن الانتعاش الجزئي الحاصل في بورصات العالمية الظرفية سوف تأخذ مفاعيله على امتدادات الدول التي تضع الرأس تحت الرماد، فهل الأزمة بدأت أم من الطبيعي المطالبة بنظام اقتصادي عالمي جديد؟