عام 1990 سقطت الكويت من الخريطة السياسية العالمية بسبب الغزو الصدامي عام فكان الهم كبيرا على الحكومة والشعب والمسؤولية كانت كبيرة أيضا والثمن اكبر ولحسن الحظ كان الشعب واعياً فتحول الشعب والسلطة الى جسد واحد لا يقبل القسمة على اثنين، كما ان الشيم والقيم والأعراف والدين وحب الوطن شكلوا سورا حصينا بداخل نفسية الفرد الكويتي على مستوى الجبهة الداخلية والخارجية فعادة الكويت من جديد للخارطة السياسية الدولية حرة أبية بفضل الله.
وفي العام نفسه التحقت كمقاتل متطوع مع الجيش الأميركي لتحرير الكويت وعملت خلف صفوف العدو للكشف عن أسلحة الدمار الشامل بواسطة مركبات وأجهزة خاصة في عمق الأراضي العراقية قبل دخول القوات البرية وكان هذا العمل محفوفا بمخاطر شتى لكنها لم تهمني لأن ما قمت به كان نابعا من مسؤوليتي تجاه وطني، ولم أكن لوحدي بل إن هناك الكثير من أبناء الوطن الذين اندفعوا لتلبية نداء الواجب غير آبهين بسلامتهم الشخصية في هذه الحرب.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الرمز الوطني الكويتي محمد الفجي الذي كان صديقا مقربا من صدام حسين، وقد ذكر له صدام في إحدى جلساته معه بأن الأجيال العراقية القادمة لن تنسى موقف الكويت المشرف مع العراق، واعتقد صدام بعد الغزو أن الفجي سيتحول بيده إلى معول لهدم الكويت من باب طمعه بالامتيازات الكثيرة التي سيمنحها له، وبالتالي ستصب في مصلحة الفجي الشخصية لكنه تفاجأ بأن الفجي قلب المعادلة رأسا على عقب وقطع علاقته مع صدام وأصبح من ألد أعدائه في الكويت بعد انضمامه للمقاومة الكويتية ضد الاحتلال.
وقد تابعت لقاءه في إحدى القنوات الفضائية الإخبارية قبل فترة قصيرة ولاحظت أنه لم يسب أحدا في العراق وكذلك لم يقطع علاقاته الشخصية مع الشعب العراقي رغم ما حدث له من أذى، وأيضا كان تعامله مع أعدائه راقيا جدا ومعتمدا على الأخلاق والقيم والشيم العربية الصافية والخالية من الحقد والضغائن ضد الآخرين.
ولقد أذهلني ما ذكره بهذا اللقاء من إنجازات وبطولات وإحساسه الكامل بالمسؤولية تجاه الوطن بعد أن ضحى بكل ما لديه فقد خسر ماله وتجارته وكل معداته في العراق مقابل حبه الصادق للكويت، ولم يكتف بذلك إذ قام بعد تحرير الكويت بالتواصل مع أصدقائه في العراق للبحث عن رفات الأسرى الكويتيين الشهداء.
كما قام أيضا بالتنسيق مع أصدقائه العراقيين المحبين للعروبة والسلام وتوصل معهم بطريقته الخاصة إلى اتفاق أثمر عن اعتذار عزت الدوري نائب صدام ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة للكويت، وقد اعتذر بالفعل من خلال بيان مسجل ظهر في مواقع التواصل الاجتماعي وذكر من خلاله أن غزو الكويت كان خطأ كبيرا وكان هذا البيان لجاما للأفواه المريضة التي تريد الإساءة للكويت من خلال الأحداث التي سبقت احتلال الكويت.
وبعد الغزو اعتقد العالم أن هذا الحشد الدولي الكبير لتحرير الكويت ستتحول الكويت من بعده إلى دولة نموذجية في كل المجالات ولكن للأسف بعد أن كنا نتغنى بالديموقراطية الكويتية وهي سنام الكويت أصبحنا اليوم نبكي عليها بعد أن فقدت بريقها وتحولت لحساب البعض الذين وصلوا إلى درجة القرار السيادي وقاموا بوضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب ثم ضاع المكان وضاع معه الإحساس بالمسؤولية.
ولو أن الجهات المختصة غرست المسؤولية الوطنية في نفوس الأجيال القادمة بشكل صحيح لكانت أفضل من اليابان بكثير التي نهضت نهوض الأبطال بعد هزيمتها بالحرب العالمية الثانية والتي لقبت اليوم بالعملاق الآسيوي في جميع المجالات.
ونحن هنا في الكويت قد كان الغزو بالنسبة لنا فرصة مناسبة لتحويل السلبيات إلى إيجابيات ولا تزال الفرصة سانحة حتى الآن كي نصلح ما أفسده الدهر خلال الثلاثين سنة الماضية أو أننا نستعد للبداية من الصفر مرة أخرى، وقد لا ننجح بالنهوض مرة أخرى لأن ضربتين في الرأس حتما ستكونان موجعتين.
ختاما: كل الشكر والتقدير لمن اتصل بي أو دعا لي بظهر الغيب بالشفاء بعد إصابتي بكورونا في الأسابيع الماضية، وأطمئن قرائي الأعزاء أنه ولله الحمد والمنة تم شفائي.
أسأل الله عز وجل أن يكون هذا المرض محرما عليكم أجمعين.