في الآونة الأخيرة أصبح مصطلح «الكويت مركز مالي وتجاري» عنوانا مهما في طرح وجهات النظر التي ترمي الى الرقي بمستقبل الكويت العاجل والآجل، والبعض يتحدث عن هذا المفهوم من الناحية الشكلية ولا يعرف أن ذلك لا يكفي من الناحية العملية عند طرحه على أرض الواقع، بمعنى ان تطبيقه على أرض الواقع يحتاج الى شروط ومتطلبات تكاد تكون مستحيلة في الكويت وذلك للأسباب التالية:
أولا: هذا الحلم يحتاج الى منظومة أمنية محترفة توازي احتراف الـ fbi أو شرطة دبي. لأن هذا المركز المالي والتجاري سوف تصول وتجول به عصابات سوق المال الأسود وتبييض الأموال وعمالقة الهكرز، إضافة إلي التصفيات السياسية، أي أن هذا المركز المالي والتجاري سيكون أرضا خصبة لتصفية الخصوم، كما هو الحال في حوادث الاغتيالات في دبي والتي حدثت مؤخرا.
فالكادر الأمني في الكويت خسر عددا من أفراده أثناء المواجهات المسلحة مع الخلايا الإرهابية في الكويت عام 2004 وكذلك لم يستطع الكشف عن وحش حولي الذي أثار الذعر في الكويت قبل بضع سنوات وقد تم اكتشافه عن طريق يقظة أحد المواطنين وبالصدفة أيضا. وتشير المدارس الأمنية إلى أن هناك نوعا من السلوك الإجرامي الخطير والمحترف كسفاحي النساء الذين ظهروا في أميركا وأوروبا ونتمنى ألا يظهروا في المركز المالي والتجاري في الكويت.
إذن لابد أن يكون للقصور الأمني أسبابه ولا يمكن لنا بناء هذا المركز المالي والتجاري إلا بعد تهيئة المنظومة الأمنية وإغداق المال على احترافها وتزويدها بأهم الوسائل الميدانية والتكنولوجية التي ستساعدهم في مهمتهم، وكذلك رفع رواتبهم ومحاسبتهم عند التقصير.
ثانيا: سوق المال الكويتي بحاجة إلى استقلالية وقوانين خاصة تضمن زرع الثقة في قلب المستثمر المحلي والأجنبي.
ثالثا: إطلاق العنان للمشاريع السياحية والترفيهية والصناعية وتحريرها من التعقيدات الإدارية وخصوصا تعقيدات «الشؤون» و«البلدية».
رابعا: تغيير مفاهيم لجنة المبادرات التي كانت ولاتزال ترفض جميع المبادرات باستثناء قبول القليل منها من باب المجاملة.
خامسا: رأس المال جبان وهي مقولة شائعة والكويت لاتزال تعيش حالة من الصراع الأزلي بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وعند ذروة الصراع يتعطل العمل في وزارة الوزير هذا أو ذاك والذي سيصعد على المنصة لاستجوابه، وهذا الأمر يعطل مصالح رجال الأعمال وسوق العمل وربما يؤدي الى حل المجلس للمرة الألف ثم يدور المستثمر والمواطن وأجهزة الدولة كافة في حلقة مفرغة، وهذا الأمر ليس من مصلحة رأس المال الموجود في المركز المالي.
سادسا: لايزال الجهاز القضائي غير كويتي باستثناء حوالي 20% فقط. وكذلك الجهاز الديني (الإفتاء) والمستشارون بجميع التخصصات والوزارات لاتزال الغالبية منهم غير كويتيين بالرغم من الكم الهائل من الخريجين الكويتيين الذين يحملون شهادات عالية بجميع التخصصات، أما قرار التكويت بنسبة 15% سنويا فلايزال في ظلمة الأدراج مع العلم أننا نسمع بالمثل القائل «اللي ياكل على ضرسه ينفع نفسه» لكننا لم نطبقه بسبب مفاهيم وأوهام باطلة منها أن الكويتيين كسالى أو يبحثون عن الواسطات وهذا كله مجرد هراء، والدليل على ذلك أن الكويتيين أذهلوا العالم باختراعاتهم وأذهلوا الخليج بأفكارهم ومشاريعهم السياحية والاستثمارية، لكنهم اليوم وللأسف يعيشون حالة «تقصيص الأجنحة» طبعا باستثناء الذين يقعون تحت مظلة «هذا ولدنا». أما البقية فهم أبناء الجيران.
سابعا: المحاباة السياسية لبعض الدول والمحاباة البرلمانية كانت ولاتزال وستبقى العائق المحوري لفشل قيام المركز المالي الكويتي.
ثامنا: مساعدات الحكومة للمؤسسات المالية المنهارة مساعدات مجزية وسريعة، أما مساعدات الحكومة النقدية للمواطن فهي بطيئة جدا ومؤلمة ومحبطة للآمال وتمر بحالة ولادة قيصرية تميل الى الفشل دائما.
أما أخبار الصحف ووسائل الإعلام عن صندوق المتعثرين فقد أصبحت وسيلة رخيصة لزيادة مبيعات الجريدة في الأسواق حتى وصفها البعض بأنها حالة مشابهة لحالة قميص عثمان.
مما سبق أعلاه نستطيع القول ان أرض الكويت في الوضع الحالي أرض غير صالحة لهذا المشروع العملاق الجميل بل انها تكاد تكون مشابهة لصحراء الربع الخالي.
أتقدم بخالص العزاء لمقام صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ولسمو ولي عهده الأمين الشيخ نواف الأحمد لوفاة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ باسل صباح سالم الصباح، والعزاء موصول للشيخ ثامر العلي الصباح وأسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويلهم ذويه الصبر والسلوان و(إنا لله وإنا إليه راجعون).