يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب.
ذو الوجهين هو المنافق بعينه، وما أكثر هذا الصنف من الناس في مجتمعاتنا العربية، يمنّون الناس بالباطل، باطنهم خلاف ظاهرهم، قاتلهم الله أنا يؤفكون، وهم في عداد الكذبة الذين يقولون ما لا يفعلون تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، والعدو الخفي من يمنيك كذبا وما أن تحتاجه حتى يروغ منك ولا تجد مما قاله مثقال حبة من خردل، فهو مثل الثعلب في المكر والخداع، والعاقل الكيّس يعرف هذا الصنف من الناس، ومن صفاتهم أنك إذا سمعت كلامهم أعجبت به، وإذا سبرت غورهم كشفت خداعهم، فالحذر الحذر من هؤلاء، وقد أنزل الله تعالى في حقهم عشرات الآيات ووعدهم بأشد العقاب، كما وصفهم بصفات منها أن في قلوبهم مرضا وأنهم يفسدون في الأرض، والسفهاء وعدم الوفاء بالمواعيد، انظروا إن شئتم الى الآية «10»، «12»، «13» والآية «75» من سورة التوبة،، ويكفينا وصف النبي عليه الصلاة والسلام لهم: ذو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة وله وجهان من نار (رواه البخاري) أما بيت الشعر فهو من الأبيات المشهورة يحذر شاعره من صاحب اللسان المعسول، الذي يقول لك انه معك عند الحاجة إليه وما أن تحتاجه حتى لا تجده، وكأنك تجري وراء السراب والبيت ضمن القصيدة الزينبية التي لاقت قسطا وافرا من الشهرة يقولها الشاعر العباسي صالح بن عبدالقدوس بن عبدالله بن عبدالقدوس أبوالفضل الأزدي، وقد سبقه الى معنى البيت عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي حيث يقول وقد أحسن ما شاء:
وأنت أخي ما لم تكن لي حاجة
وإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا.
وتبعه على المعنى الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه حيث يقول:
ما أكثر الأصحاب حين تعدهم
لكنهم في النائبات قليل
وصالح بن عبدالقدوس شاعر حكمة وأمثال ومواعظ، كان يقص على الناس في مسجد البصرة ويستشهد بأشعاره ومن حكمة السائرة قوله:
المرء يجمع والزمان يفرّق
ويظل يرقع والخطوب تمزّق
ولأن يعادي عاقلا خير له
من أن يكون له عدو أحمق
ووصف تلاقي الجنازة والعروس في طريق واحد فأبدع في قوله:
وإذا الجنازة والعروس تلاقيا
ورأيت دمع نوائح تترقرق.
سكت الذي تبع العروس مهابة
ورأيت من تبع الجنازة ينطق!
وقد وصف أيضا بقوة العبارة ودقة القياس والتعليل والتدليل سائر شعره إلا أنه اتهم بالزندقة فقتله الخليفة العباسي الثالث محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور وصلبه بسبب هذه التهمة وقد ترجم له صاحب الأغاني وقاضي القضاة ابن خلكان وغيرهما، وقد رآه بعد وفاته أحمد بن عبدالرحمن المعبر في المنام وذكر انه رآه ضاحكا مستبشرا فسأله: مافعل الله بك؟ فقال له: إني وردت على من لاتخفى عليه خافية فاستقبلني برحمته وقال: قد علمت براءتك مما قذفت به (وفيات الأعيان) والقصيدة الزينبية مشهورة وبدأها بقوله:
صرمت حبالك بعد وصلك زينب
والدهر فيه تغير وتقلب
فدع الصبا فلقد عداك زمانه
وازهد فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشباب فما له من عودة
وأتى المشيب فأين منه المهرب
دع عنك ما قد كان في زمن الصبا
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
واحذر مناقشة الحساب فإنه
لابد يحصى ما جنيت ويكتب
لم ينسه الملكان حين نسيته
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها
ستردها بالرغم منك وتسلب
وفي الصديق المنافق يقول:
وإذا الصديق لقيته متملقا
فهو العدو وحقه يتجنب.
يلقاك يحلف أنه بك واثق
وإذا توارى عنك فهو العقرب.
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلبأكتفي بهذا القدر وأترككم في رعاية الله.