لقد طفح الشعب الكويتي سياسة، وعب منها وارتوى حتى أصيب بالتخمة؛ وتخمة السياسة داء عياء عجز الأطباء عن علاجه، وحتى كتابتي هذه السطور لم يجدوا دواء شافيا من هذا المرض، نسأل الله أن يعجّل في شفاء كل مريض سياسة، مع أن شريعتنا السمحاء أمرتنا بالقصد في كل شيء، ولكن الحال كقول عمرو بن معد يكرب:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ بالرماد
فحتى الأطفال صاروا يتحدثون في السياسة وينظّرون ويحللون، ولم يبق إلا العجائز والرضع، تصوروا أن الأمر وصل إلى درجة أن السائق يسأل (معزبه) عن السياسة من الصباح الباكر وعلى الريق.. لله الأمر من قبل ومن بعد.
كثير من الناس أصبح عندهم الحديث عن سياسة الكويت في الداخل والخارج مثل الوجبة الرئيسية الدسمة التي تتغذى عليها أجسامهم، وإن لم يتحدثوا بها أصيبوا بالهزال، وحتى لا يمرضوا يواصلون الحديث بها ليل نهار لتصح أبدانهم مثل المغذي، وقد صدّعوا رؤوسنا بها ولم أسمع أحدا منهم قال بملء فمه «شكرا يا كويت» أو الكويت باقية ونحن زائلون، يأخذون من الكويت كل شيء ويبخلون عليها بأبسط حقوقها حتى صرنا فرجة لغيرنا.
وقد بات واضحا أن الوطنية ضعفت، والانتماء اضمحل، والمصلحة الشخصية هي الغالبة ولا غالب إلا الله، ولو ابتلانا الله بغزو ثان لعرف من يتذرع ويتدرع بالسياسة قيمة الكويت، وأننا لا شيء بلاها، ولأدرك أن الله حبانا بنعمة منعها عن غيرنا، ولو التهى كل إنسان بشؤون نفسه لما وصل حال الكويت إلى ما وصل إليه اليوم، ألا يعلم مولع السياسة وعاشقها أن الأمن والأمان نعمة كبرى تستوجب منا الحمد والشكر، وما الذي استفادته الكويت منكم؟
تباً لمن لا يرعوي ويأخذ الحق من نفسه، وحسيبه الله من قدم مصلحته على مصلحة الكويت، لقد فقدت السياسة طعمها وأصبحت ماسخة، ونحن الشعب نريد الكويت ولا نريد سياسة تجعلنا أحزابا محزبة تضعف أمننا الوطني وتجعلنا نكره بعضنا بعضا، الكويت رائعة فكونوا رائعين، وأترككم في رعاية الله.