لقد اصبح عندنا سوق رائج للكلام الفارغ، تجد فيه البضائع البائرة، والمنتهية الصلاحية، وكثر عندنا من يهرف بما لا يعرف، فيخلط الحابل بالنابل، ويصور لنا الأوهام على أنها واقع، وعندما يهرف المرؤ إنما يخلط في كلامه فيدور في حلقة مفرغة ولا يأتي بما يفيد، فتجده يهذي بما لا يجدي، ويتحدث في الأمر لا يعلم باطنه من ظاهره، وهذا المثل ينطبق على بعض الناس الذين صدعوا رؤوسنا بالكلام الفارغ، وقد زادت أعدادهم هذه الأيام وكثرت مواضيعهم التي يثيرونها وهي مواضيع لاتسمن لا تغني من جوع، وازداد شرهم مع كثرة مواقع التواصل الاجتماعي، فتجدهم يدعون العلم والمعرفة، وكل يوم هم في زيادة، حتى صارت أعدادهم أضعافا من يستمع إليهم، ولعمري إن ذلك لأمر غريب جدا لم نتعود عليه، حتى المصطلحات التي يستخدمونها لا نفهمها ولا نعلم من أين جاءوا بها.
وقد انتشرت هذه الظاهرة انتشارا واسعا وظهرت بكثافة وفي كل مكان، والأعجب من ذلك أن بعض القنوات الفضائية تستضيف هؤلاء الناس السذج، من اجل الإثارة، فيظهر لنا ضعفهم وهزالهم في المواضيع التي يتحدثون عنها، والمعضلة أن هؤلاء الناس يظنون انهم بحر لا تكدره الدلاء في الفهم والدراية والمعرفة، يحللون كل ما يدور في الساحة، فإن سألته في السياسة تجده سياسيا محنكا، وإن حاورته في الفن فهو ناقد فني، وإن ناقشته في الاقتصاد فهو محلل اقتصادي لا يجارى ولا يبارى، فيهذي بما لا يدري ويشنف آذاننا بما لذ وطاب من المعلومات المغلوطة التي تدل على ضحالة فكره وضعف منطقه وخلوه حتى من أبسط قواعد اللغة العربية، وكأنه المعني بقول الشاعر:
يا ناقدا لكلام ليس يفهمه
من ليس يفهم قل لي كيف ينتقد؟
يا صاعدا في وعور ضاق مسلكها
أيصعد الوعر من في السهل يرتعد
يا خائض البحر لا تدري سباحته
ويلي عليك أتنجو إن علا الزبد؟
وهذا ما نطلق عليه حاطب ليل، يحطب كل ما قدر عليه بلا نظر ولا فكر، ولاشك أن للإعلام دورا في ظهور هذه العينة من البشر، ولا أعني أعلامنا فقط وإنما الإعلام العربي عموما، حتى خلت الساحة لهم، وانزوى أصحاب الفكر الثاقب والحصافة بسببهم، وصرنا نرى أمامنا سوقا لبيع الكلام الفارغ، فنجدهم يظهرون في بعض القنوات ويتحدثون في كل شاردة وواردة فنضحك من أعماقنا وشر البلية ما يضحك، والحق أننا سئمنا هؤلاء الناس الذين يتظاهرون بأنهم يعلمون كل مناحي الحياة، وهم في الحقيقة كمن يكثر الحز ويخطئ المفصل، وبالتالي، تكون النتيجة تفسيرهم الماء بعد الجهد بالماء، وهم السبب في تراجع الإعلام في الوطن العربي برمته، نسأل الله أن يريحنا منهم عاجلا غير آجل ..ودمتم سالمين.