من منا لم يخطئ أو معصوم من الخطأ؟ «كلكم خطاءون وخير الخطائين التوابون»، فمنذ خلق الله البشر وهم يعيشون حياتهم بين الخطأ والصواب، فنخطئ ونصيب، فالخطأ والصواب متلازمان في ضمير الإنسان لا يفارقانه حتى يغادر هذه الدنيا، وهما قريبان من بعضهما بعضا فربما أخطأ الإنسان وأصاب في دقيقة واحدة، ولكن هناك فروقا بين البشر، فالبعض يصحح خطأه ويتداركه ويندم عليه، ويحاول جاهدا ألا يكرره قدر إمكانه بوازع من ضميره الحي، فيسير في الطريق الصحيح، وهناك من يتمادى في خطئه ويكرره غير آبه بما فعل لأن ضميره ميت أو شبه ميت، وربما أعاد الخطأ نفسه.
وأسوأ أنواع الخطأ أن تلبس الحق بالباطل والصواب بالخطأ، فتجعل من الخطأ صوابا، فهنا يكون الخطأ فادحا، ولا شك أن للصواب والخطأ أبوابا كثيرة، وميزانهما الأخلاق والإنسانية، ناهيك عن الدين الذي بين لنا كل طريق على حدة، فقيمة الأخلاق والسلوك الحسن كبيرة عند الله تعالى ثم عند الناس، ومع ذلك فنفس الإنسان أمارة بالسوء، مصداقا لقول المولى عز وجل (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي لغفور رحيم - سورة يوسف).
فنفس الإنسان تأمره بما هو هوى لها، وإن كان هواها في غير مرضاة الله، فيرتكب الخطأ، لأن الله تعالى ختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، ولو تبع رضا الله لخالف نفسه هواها ولما أخطأ، وبالجانب الآخر هناك خطأ غير مقصود وبلا تعمد ربما يكون لقلة إدراك المخطئ، وهذا خطأ يعالج، ومن الأخطاء الكثيرة التي أصبحت ديدن شريحة من الناس أن تحشر أنفك فيما لا شأن لك فيه وفي هذا الخطأ فساد كبير، ومن الواجب التصدي لهذا الخطأ بقوة لأن آثاره السلبية ليست في صالح المجتمع والأسرة.
تحدث عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر فحث على عدم الإكثار في صداق النساء، وشدد في ذلك ثم نزل من المنبر فاعترضته امرأة من قريش، فقالت: يا أمير المؤمنين، نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربع مائة؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ قالت: (وآتيتم إحداهن قنطارا..) الآية، فقال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع إلى المنبر فقال: أيها الناس، إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في مهورهن على أربع مائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، وهنا وقف عمر على خطئه ولم تأخذه العزة بالإثم وتراجع عما قال، والصواب والخطأ يطول الحديث عنهما، ودمتم سالمين.