الحالة البحرينية فريدة في نوعها، فلا هي شبيهة بحالة مصر ولا بحالة تونس، بل وليست قريبة الصلة من حالة اليمن او غيرها، إذن هي ـ كما اعرف ـ حالة خاصة شديدة التعقيد، ومن هنا فالتعامل معها يجب ان يأخذ منحى آخر يتفق مع طبيعتها.
والكتابة عن وضع البحرين متعب للكاتب، فكل فريق يعتقد ان الحق الكامل معه، ومن المرجح ان كل فريق سيحكم على الكاتب من خلال تلك الرؤية، فإما ان تكون معي والا فأنت ضدي، وتلك مقولة سيئ الذكر بوش، ومن اجل ذلك وعلى الرغم من صلتي القوية بالحالة البحرينية، فقد كنت اقدم رجلا واؤخر اثنتين قبل اقدامي على كتابة هذا المقال خوفا من ان اصنف بانني مع هذا التيار او ذاك.
سبق ان كتبت عما عرف بـ «التجنيس السياسي»، وقلت وقتها: ان هذه العملية ما كان ينبغي ان تحدث، فليس من المعقول الاتيان بقوم من خارج البلاد لا يتمتعون بأي مؤهلات علمية تنفع البلاد او العباد من اجل هدف سياسي مكشوف، بل وليس من المعقول ان تعطي الدولة هؤلاء وظائف ومساكن بينما لا يجد الكثيرون من المواطنين سكنا او عملا!
وقلت: من حق المواطن البحريني ان يمتلئ حقدا وحنقا وهو يرى اعدادا من شرطة بلاده من ذلك البلد البعيد بينما يحرم هو من العمل ـ غالبا ـ في هذا المرفق مع شدة حاجته للعمل!
يطالب المتظاهرون باصلاحات سياسية، منها الغاء دستور عام 2002 ووضع دستور بديل، وكذلك انتخاب مجلس تأسيسي على اساس تساوي الاصوات بين الناخبين، وايضا انتخاب الحكومة بدلا من تعيينها واشياء اخرى تتعلق بما يسمونه تحقيق العدالة المطلقة بين جميع المواطنين.
لكن بعض هؤلاء يذهبون بعيدا في مطالبهم مثل ابعاد الاسرة الحاكمة نهائيا، واحيانا يرفع بعضهم شعارات غير مقبولة عربيا، وكان من واجب المتظاهرين الا يسمحوا بشعارات لا تخدمهم في نهاية المطاف.
الاشكالية في وضع البحرين ان هناك تيارين كبيرين لا يتفق احدهما مع الآخر، التيار السني والتيار الشيعي، تيار يوصف بأنه مع الدولة والآخر ضدها، وهناك من يعمل على اذكاء روح الفرقة بين كلا التيارين، ليس من داخل البحرين وحدها بل ومن خارجها ايضا!
تيار يتظاهر بالقرب من دوار اللؤلؤة والآخر بالقرب من مسجد الفاتح ولكل تيار رؤيته الخاصة، ومن هنا تأتي الخطورة على البحرين كلها.
الحديث عن الوحدة الوطنية لم يتوقف، الشيخ علي السلمان تحدث كثيرا عن هذا الموضوع ومثله د.عبدالرحمن المحمود بالاضافة لمعظم علماء ومثقفي البحرين من كلا اتباع المذهبين، لكن الحديث وحده ليس كافيا، وهذا ما يجب ان يعيه الجميع حفاظا على مصالحهم.
هناك اشياء يتفق عليها كل مواطن، ومنها ملف الفساد وسرقة المال العام واحيانا الخاص، هذا الملف مهم جدا ومن المهم ان يكون القضاء عليه هدفا مشتركا لأنه سيحقق مصالح كبرى لكل بحريني وسيقضي على معظم المشاكل التي قامت المظاهرات من اجلها.
منذ بداية المظاهرات، طرح الحديث عن المفاوضات التي دعا اليها ولي العهد، وكان للمعارضة ـ ولايزال ـ شروط حول هذه المفاوضات وضماناتها والقضايا الاساسية التي سيتم التفاوض حولها، وكثر الحديث ولم يتم التفاوض الجاد حتى الآن، واعتقد ان على المعارضة الا تترك هذه الفرصة دون الاستفادة منها.
وكما قلت في البداية فالبحرين لها وضع خاص، ومن اجل ذلك فقد زار ولي عهد البحرين الكويت والتقى بصاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد وجرى بينهما حديث حول اوضاع البحرين، لاسيما بعد الجهود التي بذلتها الكويت للتقريب بين وجهات نظر الدولة والمعارضة.
المملكة العربية السعودية فعلت الشيء نفسه، ودول الخليج اعلنت تضامنها مع البحرين، وكلها شجعت على الحوار باعتباره الطريق الافضل للوصول الى حلول ترضي كل الاطراف في البحرين.
مرة اخرى وضع البحرين يختلف كثيرا عن اوضاع دول اخرى، وهذا ما اعتقد ان الاخوة في البحرين يعرفونه جيدا، ومن المؤكد ان هذه المعرفة ستجعلهم يتخذون الوسيلة الفضلى والاسرع للوصول الى حلول جيدة تحقق لهم العدالة التي ينشدونها والتي يتفق معهم الجميع على اهمية حدوثها، اما رفع سقف المطالب عاليا فقد لا يفيدهم بل قد يضيع فرصا كثيرة تعبوا وبذلوا الدماء من اجل تحقيقها.
واخيرا، العدالة مع الجميع هي التي تحقق الامن والسلام والاطمئنان، كما تحقق التلاحم بين جميع طبقات المجتمع مهما كانت توجهاتهم الفكرية والمذهبية، وامل ان تدرك حكومة البحرين هذه المعادلة الواضحة، ويوم ان تفعل يومها سيعود كل بحريني الى منزله وهو مطمئن النفس مرتاح البال.