الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ثوابت الدين الإسلامي ولا يمكن لأي مجتمع مسلم أن تستقيم أموره من دون الاعتماد على هذين الركنين الأساسيين، وبطبيعة الحال فلكل مجتمع طريقته في فهم المعروف والمنكر، ففي بعض البلاد العربية ـ مثلا ـ شرطة للآداب مهمتها ملاحقة المخالفين للآداب العامة التي تعاقب عليها قوانين تلك الدول مثل: البغاء، والتحرش بالنساء، وعبادة الشياطين وغير ذلك من الأعمال المنافية للآداب والأخلاق العامة، وفي دول أوروبا وأميركا ما يشبه النهي عن المنكر خاصة فيما يتعلق بالكذب ومخالفة القوانين وقضايا التحرش والاغتصاب، وهكذا نرى أن كل قضايا الأخلاق داخلة فيما يسمى «المعروف والمنكر» في الفقه الإسلامي وبحسب الدين الإسلامي.
وفي السعودية إذا أطلق اسم «الهيئة» فالمقصود به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومعروف أن السعودية جعلت من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هدفا تسعى إلى تحقيقه بغية حماية الأخلاق ومحاربة المنكرات بجميع أنواعها ليبقى المجتمع سليما قدر الإمكان. لكن هيئة الأمر بالمعروف تلاقي هجوما قاسيا عليها من خارج السعودية وأحيانا من داخلها وربما كانت ملاحقتها للمجاهرين بارتكاب المنكرات في الأسواق العامة وراء هذا الهجوم المتلاحق ومحاولة الإساءة لسمعتها وأسلوب عملها ولا يعني هذا أنها بريئة من كل ما يقال عنها ولكن ما يقال فيه مبالغة كبيرة وافتراءات في بعض الأحيان.
هناك اتفاق ـ فيما أظن ـ على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن هناك اختلافا في الاتفاق على مفهوم وحدود «المعروف» و«المنكر»، كما أن هناك اختلافا أيضا على وسائل تحقيق الأهداف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيفية التعامل مع المخالفين لكي تتحقق الأهداف التي أرادها الإسلام من هذه الشعيرة.
والسؤال الآن: هل يمكن أن يصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا؟ أي هل هذه الشعيرة ثابتة أم متحولة بحسب ظروف الزمان والمكان والأشخاص؟
الإجابة تحتاج إلى شرح كبير ولكنني سأختصر ذلك لأقول: هناك منكرات لا يمكن أن تبقى كذلك إلى قيام الساعة وأنا هنا أتحدث عن المجتمع المسلم فمثلا: الخمر ستبقى منكرا، ومثلها الزنا والمخدرات وما شابه ذلك من المحرمات الثابت تحريمها، وهناك قضايا كانت من «المنكرات» في المجتمع السعودي في فترة سابقة ثم بفعل التغير المجتمعي واتساع مفاهيم الفقه الإسلامي أصبحت قابلة للتغير مثل مفاهيم: الاختلاط وقيادة المرأة للسيارة وعملها في بعض الأماكن وأنواع وأشكال الملابس للرجل والمرأة على حد سواء وغير ذلك من القضايا التي كان لابد من إعادة فهمها وبحسب الشريعة لكي يسير المجتمع بشكل متوازن.. سيبقى هناك اختلاف في الحكم على مشروعية هذه القضايا من عدمه، ولكن ما أردت قوله إن بعض ما كان يسمى «منكرا» أصبح شيئا آخر قبلته طائفة من المجتمع وسايره الفقه الإسلامي مساندا للفهم السائد وعندما أصدر الملك عبدالله قرارا باستبدال رئيس الهيئة الشيخ عبدالعزيز بن حمين بالدكتور عبداللطيف آل الشيخ أكثر الناس من التخمينات التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار، وتباشر بعض الليبراليين بالدكتور آل الشيخ باعتباره شديد الانفتاح!
والذي أود تأكيده أن المنكر سيبقى منكرا بغض النظر عمن سيكون على رأس جهاز الهيئة وأن الدولة ستبقى محافظة على حماية مفاهيم الإسلام، وأخيرا فمصلحة السعوديين جميعا كما هي مصلحة المسلمين عموما المحافظة على تقاليدهم الطيبة والمتفقة مع شريعتهم الإسلامية وعدم الالتفات إلى ما يقوله بعض الغربيين وغيرهم من افتراءات لا قيمة لها.
[email protected]