@DrNawras
يتردد كثيرا من المرضى على عيادتي يشتكون من أعراض تلازمهم لا ينفع معها دواء ولا مسكنات، وترى المريض فيهم يزداد توترا مع الوقت لإحساسه بالمشكلة دون معرفة طريق الخروج منها وتكون الشكوى غالبا مزيجا من التعب المزمن وقلة النشاط إضافة لصداع يأتي كل حين، وترى المريض لم يترك اختبارا أو تحليلا إلا وقد أجراه وفي النهاية لا شيء غير طبيعي، ولعلك تسأل: أين المشكلة؟
هذه الحالة فخ يقع فيه المرء دون أن يعيه ولكن يشعر بأعراضه.
تبين لي خلال متابعتي لهؤلاء المرضى والجلوس معهم أكثر من مرة أن العقل والجسم عند نقطة ما يتحول كل واحد منهما إلى جهاز إداري منفصل لكل منهما قراراته، إلا أن للجسم قرارات سيادية لا يمكن للعقل التأثير عليها ولا تأجيلها!
للعقل والجسم طرق مختلفة فيما يخص التعامل مع الضغوطات التي يتعرض لها الشخص.
فالعقل قد يرى الضغط كفكرة مزعجة إلا أنه مع إصرار صاحبها على الاستمرار معها يعيد تصنيفها ويتعامل معها كوضع جديد ويفترض أن هذا الوضع هو الطبيعي، وكل مرة يقوم الشخص بتحمل الأعباء الجديدة - كساعات العمل الطويلة وتزايد المتطلبات وقلة ساعات النوم والغذاء غير الصحي ـ يقوم العقل بالتكيف مع فكرة «الوضع الجديد» كطريقة للنجاة، فمثلا يصبح السهر لما بعد منتصف الليل أمرا طبيعيا أو الاكتفاء بوجبة واحدة خلال اليوم أمرا صحيا.
إلا ان الجسم لا يعترف بهذا النظام بتاتا، فالجسم لديه أنظمة وقوانين خاصة وخطوط حماية تبقيه بعيدا عن الخطر الذي قد يقوم العقل بتصويره على أنه أمر طبيعي.
مهما أقنعت نفسك بأن السهر لا يؤثر على الصحة فهذا لن يغير من حقيقة أن جسمك سيوجه لك رسائل متكررة تخبرك بعكس ذلك، تعب وإرهاق وخلل في تركيز وإن قاومت ستجد بأن الجسم سيأخذ إجراء طارئا كإغماء مفاجئ أو مرض شديد.
الحماية في هذا الموقف تكون بالاستجابة لرسائل الجسم، فالصداع والإرهاق وغير ذلك مما يتكرر كثيرا إشارات من الجسم سيبعثها لك حتى وإن لم يوافق عليها العقل، فالأفكار تدفع الجسم للفعل ولكن لا تمده بالطاقة! أن تعتاد على الخطأ لا يعني ان ما تفعله صائب، فالصواب هنا مجرد فكرة خاطئة تآلف معها عقلك وتقبلها بدلا من أن يعيش معها حربا ترهقه، وإن كنت معتادا مثلا على التدخين فلن يؤثر ذلك على استجابة رئتيك وسيرافقك السعال ما حييت حتى وإن كنت راضيا عن فكرة التدخين.
وإن لم تكن ماهرا في قراءة رسائل الجسم فاجعل أوقاتا خاصة له للاسترخاء وتقليل الضغوط وتأجيل ما يمكن تأجيله واتبع قدر الإمكان العادات الصحية كالأكل المتوازن والنوم المعتدل والمشي لبضع كيلومترات يوميا.
وما تراه ممكنا بعقلك قد لا يكون كذلك لجسمك وإلا ستعيش صراعا داخليا دائما سيتوج بالسؤال التالي ولن تجد له جوابا: ما الذي أصابني؟
وما علتي؟