كثيرا ما نسمع أن فلانا تغير أو لم يعد يعاملنا بالطريقة التي اعتدنا عليها، وغالبا ما تنتهي هذه التصريحات بحالة درامية يعيشها صاحبها ويكون هو عنصر الخير فيها وباقي الأطراف شريرة قامت بخيانته أو أنها لم تكن بطلة بثباتها كما فعل هو! هل فعلا يقوم الآخرون بالإساءة لنا عندما يتغيرون وهل التغيير يعتبر إساءة حقا؟
الحياة تقتضي التحول من مكان إلى مكان ومن قناعة إلى أخرى، إذ ان الصفات الحالية التي يتحلى بها أي شخص حولنا هي نتاج للبيئة المحيطة وآخر الأفكار التي وصل إليها. العلاقات الاجتماعية محتكمة إلى عوامل عدة وليست ميثاقا غليظا لا يمكن نقضه أو حتى التراجع عنه. إن كنت تعرف صديقا خلال الدراسة أمضيت معه وقتا أكثر مما تمضي مع أهلك وأقاربك فمن الطبيعي جدا ألا تراه بعد التخرج إلا بين حين وآخر وسيقوم بالسلام عليك وقد تفتر حرارة هذا السلام مع الوقت، فهل نقول بأن هذا الصديق باع «العشرة»؟
ومن الأمثلة المتداولة جدا انتقاد الشخص بعد تسلمه لمنصب سياسي أو وظيفي واتهامه بأنه لم يعد يجلس مع أصحابه كما كان يفعل! ولا يدرك المنتقد بأن الشخص انتقل لنمط حياتي جديد ومسؤوليات جديدة وعلاقات اجتماعية مختلفة عن تلك التي كان يتعامل معها.
التغير أمر طبيعي والعلاقات البشرية تربطها الظروف المشتركة والمصالح المتقاربة، وما يحدث حقا هو أننا نخلط بين هذا التغير الاجتماعي والانتكاس الأخلاقي، فلا مشكلة بتغير نوعية العلاقة ولكن المعضلة تكون بالانتكاس الأخلاقي لأحد الأطراف أو للطرفين معا! فبدلا من استيعاب الظرف الجديد ترى شخصا يتهم آخر بأنه عديم الذوق أو الأخلاق أو أن الغرور سكن قلبه منذ توليه لذلك المنصب أو نجاحه في تجارة رفعت من مستواه المادي! وبرأيي هذا الحال هو الغالب، انتقاد المجموعة للفرد المتغير أو بعبارة أصح المنتقل لوضع جديد!
فلان تغير ولكن ذلك ليس عيبا، ولكن الخطأ هو ثباتك ورغبتك في ثبات كل شيء حولك! تسمي اقتناعك بأنك مركز للكون بمسميات مثل «فلان تغير» و«فلان لم يعد كما كان» «فلان تقدم ونجح فنسينا»! والغريب أن عبارات المديح هذه نسوقها كنقيصة تعيب الشخص! والأغرب وجود وعي جمعي يقر بهذه الحقيقة فتجد أكثر الناس يؤمنون إيمانا كاملا بأفكار مثل «كل الناس تتغير مع المنصب الجديد» أو «الفلوس تغير النفوس» ودائما ما يقصد المعنى السيئ لا الجميل لهذه العبارات!
وحدها الأصنام لا تتغير تبقى مكانها ترى الدنيا من زاوية واحدة لا تستطيع الالتفات يمينا أو يسارا، أينما وضعتها تبقى كما هي تنتظر أن يتكيف المحيط معها! ودائما تجد المبرر لأفعالها وغاب عنها أن وجود التبرير لا يعني صحة الفعل أو الفكرة!
كم صنما تعرف وكم مرة تصرفت فيها كالصنم؟!
DrNawras@