يعيش العالم اليوم على وقع عودة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة روسيا والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والدول الغربية.
حيث جاءت الأزمة الأوكرانية لتكشف هذا التجاذب الدولي وتظهره على العلن، فمن مواقع التماس بين المعسكرين الصراع في شبه الجزيرة الكورية، فالجنوبية تدور في فلك أميركا والغرب، بينما الشمالية تدور في فلك روسيا.
وهناك التوتر بين أميركا والصين من خلال دعم وحماية أميركا للصين تايبيه التي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من أراضيها، علاوة على طائرة التجسس الأميركية التي أسقطتها الصين وسببت أزمة في وقتها.
هذه الحالة العالمية تعيد إلى الأذهان فترة الحرب الباردة التي مرت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وكان عنوانها الأبرز حالة الاستقطاب الدولي مما حدا ببعض دول العالم الى التوجه لتأسيس وتوسيع دائرة حركة عدم الانحياز كتعبير عملي للمجتمع الدولي عن رفض هذه الحالة من الاستقطاب، مع أن الكثير من هذه الدول كانت منخرطة ضمن أحد المعسكرين.
ففي الفترة التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية وصولا الى حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، تعزى حالة الاستقرار النسبي بالعالم في تلك الفترة الى الحرب الباردة بين القطبين باعتبار انها أوجدت حالة من التوازن الدولي.
لكن تعود الحرب الباردة اليوم بحلة أخرى وواقع جديد، فالولايات المتحدة عاشت منذ ربع قرن بحالة من أحادية القطب وفرضت إيقاعها على السياسة الدولية، وبالتالي يصعب عليها التنازل عن هذه الحالة بسهولة.
وعودة روسيا للعب دور القطب الآخر المنافس لها مدعومة بالصين وإيران أمر غير مقبول أميركيا او غربيا، لأنهم يدركون ان هذا المحور الجديد إذا ما قوي فسيجد من يأوي إليه من دول العالم ممن يحلو له اللعب في مساحة التناقضات، مما يحدث انعطافة جديدة ومفاجئة للسياسة الدولية الغربية هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الولايات المتحدة والدول الغربية تعتبر نفسها قد تجاوزت روسيا كطرف منافس وعدو، وفتحت جبهة أخرى مع حربها ضد ما تسميه «الإرهاب» على مستوى العالم، فليس من السهل عليها الانشغال بالجبهتين معا مما يضعفها حتما خاصة في حربها ضد «الإرهاب». ما يعنينا وما يهمنا من هذه الحالة المتطورة بين الشرق والغرب هو الوضع السوري ومستقبل ثورته التي دخلت عامها الرابع، وتعتبر سورية وللأسف أهم ساحات الصراع الروسي ـ الغربي بل وأكثرها سخونة.
ما يجري في أوكرانيا من التدخل العسكري الروسي المباشر وضم شبه جزيرة القرم تحت غطاء الاستفتاء الصوري الذي جرى، وتعداه إلى الاستيلاء على الأسطول الحربي الأوكراني بالكامل.
هذا التحرك الروسي الجريء أحدث ردة فعل قوية عند أميركا والدول الغربية، بدأت بالتصريحات القوية مرورا بالتلويح بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، في حين ردت روسيا التحية بمثلها وبمزيد من الإصرار على موقفها،لكن الولايات المتحدة والدول الغربية مازالت تدرس خياراتها العملية في الرد على روسيا.
في اعتقادي ان خيارات الغرب العملية تنحصر في تغيير الموقف من الثورة السورية وبشكل جدي وعملي وذلك باحتمالين: الأول دعم الجيش الحر وتزويده بالأسلحة اللازمة لحسم المعركة وإزالة النظام السوري الذي يعتبر الذراع الأقوى لروسيا وإيران في المنطقة.
والثاني :التدخل المباشر من حلف الأطلسي وعلى رأسه أميركا وبتشجيع من تركيا العضو فيه، ليس كما فعلت في احتلال العراق لتكلفتها الباهظة بالنسبة لهم، وإنما بإنزال عسكري على مناطق مهمة وحساسة إستراتيجيا أو تحوي سلاحا غير تقليدي يتباطأ النظام السوري في تسليمه بموجب اتفاقية تسليم أسلحته الكيماوية مع الغرب.
ولعل الاحتمال الثاني وان كان الأصعب إلا أنه الأرجح لسببين هما: أن الولايات المتحدة والدول الغربية ليس من مصلحتها أن تدخل في صراع مباشر مع روسيا في شبه جزيرة القرم، في حين ان التدخل في سورية يكون بصورة غير مباشرة.
والثاني: ان التمسك الروسي ـ الإيراني بالنظام السوري يظهر أهميته بالنسبة له، وفي حال القضاء عليه ستكون الضربة موجعة لروسيا وحليفاتها.
وبالتدخل المباشر للغرب في سورية تتبدد المخاوف من سيطرة جهات غير مرغوب بها على السلطة بعد زوال حكم الأسد وزمرته.
لتبقى الثورة السورية معلقة ومفتوحة على كل الاحتمالات، ولنبقى نحن العرب أبعد ما نكون عن صناعة مستقبلنا بأنفسنا.