السؤال الذي يطرح ويتفاعل في هذا الوقت هو: كيف سيكون شكل الحرب المقبلة ضد «داعش»؟
الولايات المتحدة والدول الغربية سينحصر دورها في الطلعات الجوية والقصف من الطائرات، بينما القوات العراقية وقوات الباشمركة الكردية تعمل على الأرض، وبعض الدول العربية ستكون مهمتها استضافة القواعد العسكرية الغربية، إضافة إلى مسألة مهمة وهي توفير المعلومات الاستخبارية عن نقاط القوة لتنظيم داعش ليتسنى قصفها بدقة أكبر من قبل الطائرات، وهذا دور كبير وان كان خفيا وغير ظاهر أو معلن.
في حين ان تركيا الدولة العضو في حلف الناتو تتوجس من هذه الحرب وتعلن تحفظها، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع رفض هذا التحالف، وكأنها تشعر بأن ثمة مؤامرة تحاك في المنطقة لن تكون في صالحها.
إيران ليست عضوا معلنا في هذا التحالف، فعلى الرغم من مبادرتها قبل غيرها بالاستعداد للتنسيق مع الجانب الأميركي للقضاء على تنظيم داعش، إلا أن الجانب الأميركي رفض هذا التنسيق المباشر مع إيران، لكن هذا لا يعني أن إيران ليست جزءا من هذا التحالف، بل هي جزء أصيل منه بحكم الواقع ذلك أنها تملك نفوذا قويا في العراق مسرح الحرب المقبلة، إضافة الى أن موقف إيران ومصالحها ينسجمان تماما مع الموقف الأميركي والغربي في التعاطي مع الشق العراقي لـ «داعش».
لكن الشق السوري منها شيء مختلف تماما، ليس بالنسبة لإيران فحسب بل بالنسبة لنظام الأسد، وحتى بالنسبة للفصائل السورية المعارضة.
بالمجمل «داعش» العراق غير «داعش» سورية، نظرا لتغير واقع كل دولة عن الأخرى ونظرا لاختلاف الأطراف الفاعلة هنا وهناك.
النظام السوري وحلفاؤه من الروس وإيران يحذرون من المساس بما يسمونه «السيادة السورية»، وذلك في حال قيام التحالف الدولي بدخول الأراضي السورية واختراق أجوائها لقصف تنظيم داعش دون تنسيق مسبق مع نظام بشار الأسد.
وهذا بحد ذاته مثير للسخرية أكثر من الضحك، فما دامت إيران دخلت بحرسها الثوري لسورية للمساهمة في ذبح السوريين، وقام النظام السوري باستدعاء حزب الله للقيام بالمهمة ذاتها، فأي سيادة بقيت لهذا النظام على أرضه ليتحدث عنها؟!
وهل سيادة الدول قابلة للتجزئة، بحيث تعطي جزءا لطرف وتحرم طرفا منه؟
فعلى الرغم من تأكيد أطراف التحالف الدولي أنهم عازمون على ملاحقة تنظيم داعش وضربه حتى في سورية، إلا انه ثمة تصريحات أخرى مفادها أنهم سيقومون ببدء الحملة العسكرية في العراق قبل سورية، وهذا ترتيب منطقي باعتبار أن الأوضاع وعوامل النجاح المرحلي في العراق مشجعة أكثر بكثير منها في سورية، خاصة إذا علمنا أن المعارضة السورية المسلحة بمختلف أطيافها ترفض أن تلعب دور الجندي على الأرض الذي يقضي على تنظيم داعش ويزيله عن الأرض.
هذا على الرغم من أن تنظيم داعش دخل في صراع عنيف ودموي مع أطراف مختلفة في الفصائل السورية المسلحة وعلى رأسها تنظيم النصرة رفقاء السلاح لهم بالأمس القريب.
ومع ذلك فإنهم يرفضون أن يكونوا أداة في يد التحالف الدولي لتحقيق مآربه.
هذا الموقف ينسحب على اغلب الفصائل السورية المسلحة، وهذا يعود لسببين: الأول: توجيه هذه الفصائل كل طاقتها القتالية نحو وجهة واحدة وهي إسقاط نظام بشار الأسد الذي يعد العدو الأول لهم.
والثاني: هو الغضب الواضح على المجتمع الدولي بكل مكوناته الأميركي والأوروبي، وكذلك الرسمي العربي لعدم التعاطي بجدية لجهة دعم هذه المعارضة بالسلاح الفعال القادر على حسم المعركة وإسقاط نظام بشار والخروج من عنق الزجاجة التي علقت بها الثورة السورية.
وهي في تقديري أسباب حقيقية ومنطقية للفصائل السورية المسلحة.
وأنا اعتقد أن التحالف الدولي إذا أراد تحقيق النصر على تنظيم داعش في سورية فانه يتوجب عليه دعم المعارضة السورية للقضاء على نظام بشار ثم بعد ذلك تتم إزالة داعش من قبل هذه الفصائل ذاتيا لأن داعش لا تقبل بغيرها مهما يكن شكله ومضمونه، وهذا يعود لأصل الأيدولوجيا التي يحملونها وطريقة تفكيرهم التي ينطلقون منها.
وإذا أردنا أن نطرح التساؤل البسيط وهو: هل سينجح التحالف الدولي في القضاء على داعش؟
الكثير من المحللين يجيبون بكل راحة وثقة بنعم، ولكني أخالفهم في ذلك مع بعض التفصيل.
أنا اعتقد أن نتيجة هذه الحرب غير مضمونة، ويحددها الهدف منها، فإذا كان الهدف هو القضاء على تنظيم داعش، فان القضاء التام والاستئصال المطلق يصعب تحقيقه في عرف الحروب وعلومها العسكرية.
وخير دليل على ذلك ان التحالف الدولي السابق للقضاء على القاعدة في أفغانستان لم يحقق الاستئصال، فالقاعدة ما زالت موجودة وتنظيم طالبان مازال هناك.
لكن إذا قلنا إن الهدف من هذا التحالف هو إضعاف تنظيم داعش إلى أن يعود إلى حجمه وقدراته السابقة فهذا ممكن في الشق العراقي منها، لكن في الشق السوري منه الأمور مختلفة من ناحيتين: الأولى: أن هذا التنظيم في زيادة مضطردة في العدد والعدة، فمن ناحية العدد فإنه في تعبئة مستمرة منذ إعلانه الدولة، فهو يستقبل من يأوي إليه من التنظيمات الأخرى، سيما بعد إعلان تشكيل هذا التحالف الدولي ضده، ما اكسبه تعاطفا لم يكن ليحظى به لولا هذا التحالف.
وأما الزيادة في العدة فهي متوافرة لديه بحكم ما غنمه من القوات العراقية، ووجود الوفر المالي عنده، ما يجعل شراء السلاح بمتناول يديه.
الناحية الثانية: إن ضرب التنظيم في العراق وتركه في سورية ولو مؤقتا يستلزم نزوح التنظيم من العراق إلى سورية، وهي ارض أكثر خصوبة بالنسبة له نظرا لانحسار سيطرة نظام بشار عن اغلب الأرض السورية، في حال تمت هذه الخطوة فان تنظيم داعش سيكون قريبا اكبر تنظيم فاعل على الأرض في سورية خاصة بعد زيادة التعاطف معه.
هذا السيناريو يفتح الباب واسعا على احتمالات كثيرة يصعب التنبؤ بها، لاسيما ان تنظيم داعش لن يستميت في الحفاظ على الأرض التي كسبها فيما مضى، فهو سرعان ما سيعود سيرته الأولى كتنظيم مسلح ولا يشترط لنفسه أن يبقى على شكل دولة تريد أن تحافظ على وحدة أراضيها وتبسط سيادتها عليها.
من كل هذا الوضع استطيع القول إننا كشعوب عربية ومسلمة الخاسر الأكبر إن لم نكن الوحيد، فإن هذه الحملة تستهدف الأرض العربية والإنسان العربي المسلم، ونحن من يتحمل تبعاتها الكارثية.
ونحن من يدفع ثمنه الباهظ من وحدتنا وشعورنا المشترك، وهذا ما يلقي بظلال ثقيلة علينا من المزيد من التشتت التشرذم، ولتبقى الأرض العربية هي مسرح الصراعات والمكان المفضل لتصفية الحسابات الدولية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.