مقالي هذا ليس دفاعا عن الفساد وإنما هو لمعرفة ماهية هذا الفساد الذي وقع حتى نهاجمه ونقومه فليس كل ما ينشر إعلاميا يجب تصديقه بل لابد من معرفة حقائق الأمور قبل الحكم عليها حتى نستطيع الحكم لبيان ما إذا كان هناك فساد نعالجه من عدمه أما التضييق على الحريات والحقوق فهو ما لا يقبله القانون، وذلك لأن المادتين 30 و31 من الدستور نصتا على أن الحرية الشخصية مكفولة وانه لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته إلا وفق أحكام القانون، وما دعاني لذلك السرد المبسط ما قرأته في بعض الصحف المحلية والتعليقات حول أن ضابطين في مخفر سلوى اقتادا شابا وفتاة في الطريق العام بتهمة ارتكاب فعل فاضح علني وسجلت في حقهما قضية، وعندما تدخل مسؤول أمني من الداخلية لمعرفة تفصيل ما حدث وأمر الضابطين بإخلاء سبيل الفتاة لأن الأمر لا يعدو وأن يكون تضييقا على حريات الآخرين، وانقلبت للأسف الدنيا رأسا على عقب وبدلا من أن يكافأ هذا المسؤول ويشكر على حفظه للحريات والالتزام بالقانون والانضباط سارت الأمور بالعكس وكأن المسؤول الأمني ارتكب خطأ أو جرما جسيما في حق الضابطين، ولعلي لا أريد أن انحاز لأحد على حساب الآخر وإنما أردت أن أتناول الموضوع بشيء من المصداقية والشفافية المطلقة، وتساءلت سؤالا مهما: ما السبب الذي بموجبه استوقف الضابطان الفتاة والشاب الذي كان معها؟ ما السلوك الذي شاهده هذان الضابطان لاستيقافهما؟ وهل كان هذا السلوك على مرأى ومسمع من المارة في الطريق العام كما ادعى هذان الضابطان؟ لا شك أن هذين السؤالين إجابتهما ستؤديان بلاشك لمعرفة حقيقة الأمر، ولكن لا توجد أي إجابة، يعني ما في شيء يذكر، ومن هنا فالتضييق على الحريات أصبح ميزة من مميزات العسكر في الوطن العربي عموما وفي الكويت على وجه الخصوص، خاصة إذا كان مع الشخص امرأة يسير معها، والأسوأ إذا كانت شابة وجميلة فهنا أصبح احتمال الاستيقاف شبه مؤكد من الشرطة خاصة في الأماكن العامة وفي الأوقات المتأخرة أو الهادئة، وأصبحت هذه الثقافة معلومة للجميع، وأول سؤال يسأله رجل الأمن في هذه المناسبة (الهويات) أو (شنو علاقتك فيها)، وإذا كانت من معك ليست زوجتك أو قريبتك من الدرجة الأولى كالأم أو البنت أو الأخت، طبعا على طول ينحرف الحديث ويدخل رجل الأمن في أسلوب مختلف من الاتهامات، أو المساومات، أو (الحقني على المخفر)، والمؤسف ان هؤلاء هم رجال الأمن وكثير غيرهم لا يعرفون انه لا يوجد لا في الدستور أو القوانين ما يمنع من وجود رجل مع امرأة في الطريق العام ماداما وفق الاحترام والأصول، ولا يوجد نص يمنع الرجل من مسايرة امرأة في مكان عام أو مطعم أو مقهى، وإذا كان القانون يوجب على الأمن الحفاظ على حرية وسلامة الأشخاص لا التعرض لهم وإيذاءهم والتعدي على الآخرين بسبب وجود الرجل مع المرأة، ولهذا فإن ما قام به هذا المسؤول المحترم والمثقف دستوريا معاقبا هذين الضابطين حديثي التخرج والعمل هو واجبه العملي وهو ملزم به دستوريا وقانونيا، ولكي ينزع عن هؤلاء العسكر ثقافة التعرض للأشخاص والتضييق على الحريات بسبب وجود امرأة أو فتاة مع رجل، ولعل المنظار القانوني يفرض نفسه، وأستطيع أن أشير إلى أن ما فعله الضابطان هو خلق لحالة من حالات التلبس واقتيادهما للشاب والفتاة الى المخفر لتحرير وتسجيل قضية آداب في حقهما هو ما دعا رجل الأمن المسؤول الى التدخل لفض تلك الجريمة المختلقة ورفع الأمر لقيادات الداخلية للتحقيق مع الضابطين وهو ما جعله يأمر بحبسهما انضباطيا رهن التحقيق معهما لأن الامر الذي فعله الضابطان بحق الفتاة والوافد مؤثم بالمادة 184/1 من قانون الجزاء، لقبضهما دون وجه حق وفي غير الأحوال المقررة قانونا على الفتاة والوافد وخلقهما لجريمة فعل فاضح بحقهما وهو ما أفرد له المشرع عقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات لذا أقول في نهاية مقالي هذا ان العدالة لا يضيرها إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الأشخاص وحقوقهم، فخلق الجريمة نوع من الغش والتدليس الذي يجب أن ينأى عنه رجل الأمن لأنه بالأحرى يجب أن يتحلى بالأمانة والصدق في عمله وهما من الصفات التي اقسم عليهما قبل بدء عمله أما الافتئات على حريات الناس والتضييق عليها فهو أمر لا يقبله القانون حتى نظل في دولة حريات بدلا من أن تكون دولة بوليسية تخلق الجريمة وتشجعها بدلا من أن تمنعها.
www.riyad-center.com