يقال في الأمثال العربية «ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه» بهذا المثل أبدا مقالي الذي يجعل كل إنسان ما أن يرى أي تشاجر في الطريق العام أو أي هوشة في محل عام يظل صامتا ساكن الحراك لا يتدخل لفضه حتى لا يقع فيما لا تحمد عقباه، ويجد نفسه متهما بجريمة لم تكن تدور في خلده وإنما نتيجة تدخله لفض المشاجرة، ولعل سبب سردي ذلك هو ما قرأته بجريدة «الأنباء» في عددها الصادر 9/11/2010 عن أن إحدى الوافدات كانت جالسة في أحد المطاعم بملابسها الفاضحة وحدث تلاسن بينها وبين سيدة أخرى لا تعرفها، وكان سبب التلاسن هو اعتراض السيدة على الملابس الفاضحة التي تلبسها الوافدة وطريقة جلوسها في المطعم، وهو ما أدى إلى تطور التلاسن إلى تشابك بينهما بالأيدي تدخل على اثر ذلك مدير المطعم لفض الاشتباك، إلا انه فوجئ باستدعاء من مخفر النقرة لاتهام الوافدة له بأنه هتك عرضها وانه أمسك بها من الخلف بطريقة غريبة محاولا إخراجها من المطعم، فضلا عن تحسسه لجسدها أثناء قيامه بدفعها لإخراجها من المطعم تجنبا للمشاكل، تلك هي الواقعة التي ما ان قرأتها حتى استهجنت تلك التصرفات التي اتت بها تلك الوافدة وتساءلت: هل مدير المطعم من الجرأة بأن يأتي تلك الأفعال والمطعم مكتظ بالزبائن ومنهم رجال أعمال وموظفو المطعم، أم أن حرصه على سمعة المطعم لأنه من المطاعم الشهيرة بمنطقة النقرة هو الذي جعله يتدخل لفض المشاجرة ومنع تفاقمها؟
الاجابة المقنعة هي أن تدخله لفض المشاجرة ليس لشيء الا لسلامة المطعم وحرصه على سمعته، وبالطبع فقد صممت الوافدة على تحرير محضر بالواقعة وقد أحيل للنيابة العامة لاتخاذ ما تراه نحوه، ومن المنظار القانوني لهذه الواقعة ـ التي قد تثير عدة نصوص جزائية ـ نرى ان الوافدة اتهمت مدير المطعم بهتك عرضها بتحسسه على أجزاء من جسدها أثناء فضه المشاجرة، مستغلا الظرف قاصدا هتك عرضها وهو الذي تثار معه جناية هتك العرض بالحيلة والمؤثمة بالمادة 191/1 من قانون الجزاء والتي افرد لها المشرع الجزائي عقوبة السجن مدة لا تجاوز خمس عشرة سنة، وهذا حسب ما سيسفر عنه التحقيق من وجود أو عدم وجود نية لدى مدير المطعم وفقا لما سيقرره شهود الواقعة، فضلا عن أن الواقعة قد تثير الفعل الفاضح من الوافدة لأنها بملابسها الفاضحة وطريقة جلوسها بالمطعم وهو من الأماكن العامة جعلت إحدى السيدات تشتبك بها، هذا الامر مؤثم بالمادة 198 من قانون الجزاء والذي أفرد له المشرع عقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة، هذا فضلا عما إذا كان التشابك بالايدي بين الوافدة والسيدة الاخرى قد أسفر عن جروح بأي منهما، وهو ما يشكل جريمة الضرب والتعدي المؤثمة بقانون الجزاء بمادته 163 وهو ما ستسفر عنه التحقيقات التي ستجربها النيابة العامة في تلك الواقعة الغريبة، والتي سيكون لشهود الواقعة والعاملين بالمطعم دور في حسمها، لاسيما انها حدثت تحت بصرهم وفي وجودهم، وأقول في نهاية مقالي هذا ان إلقاء الاتهام لا يمكن أن يكون جزافا وإنما لابد أن يكون مبنيا على أدلة مؤكدة تفيد حصول الجريمة، أما إلقاء الاتهامات للكيد والنكاية، فهو لا يمكن قبوله، لاسيما ان مقالي هذا يعد بمنزلة رسالة لجميع الرجال لئلا يقربوا أي تجمع نسائي أو أي تشاجر يحدث بينهن، لأن التدخل لفض هذا التشاجر من الممكن أن يجد الرجل نفسه في ورطة وجريمة بحقه، وكأننا وصل بنا الحال الى اننا إذا شاهدنا جريمة في أي محل عام نظل ساكنين في أماكننا خشية تورطنا فيها، وهذا فيه علامات استغراب كثيرة لأن ذلك سيؤدي بلا شك إلى تفشي الجريمة وانتشارها ما دمنا لا نستطيع الدخول لمنعها أو درء توسيع نطاقها خوفا من الزج بنا فيها، ولهذا.. فإن مثل هذه الاتهامات غالبا ما تكون مكشوفة للقضاء والأجهزة القضائية المساعدة والتي غالبا ما تلتفت عنها وتتحفظ على مثل هذه الشكاوى لاتضاح قصدها.
www.riyad-center.com