صالح الشايجي
في يقيني الانساني والمعرفي، أن المجرم لا يكون صنيعة نفسه، وحيثما يكون هناك مجرم قيد الادانة، فإن هناك مجرمين خارج الادانة!
ومن سمّي بـ «وحش حولي»، تأبى الفطرة الانسانية سماع جرائمه وتفاصيلها، لذلك لست بحاجة الى تكرارها، ولكن ما يهمني في هذا الخصوص هو الخوض في الأعماق والابتعاد عن السطح والقشرة! فما على السطح هو «الوحش» الذي سقط في قبضة الحق، ولكن ماذا في الأعماق؟! وما هي الأجواء التي جعلت هذا الانسان يتحول الى «وحش»؟!
حسبما هو واضح فإن الرجل لم يكن مجرما في بلاده، ولم تسجل في حقه حتى مشاجرة عابرة، ولم يذكر أهل بلدته أو معارفه شيئا عن سلوكه الجرائمي، رغم أنه عاش خمسة وعشرين عاما من عمره في بلدته! إذن فإن هذا الرجل تحوّل الى مجرم بعد الخامسة والعشرين من عمره، وكذلك تحول الى مجرم في بلادنا! فهل نحن زرعنا فيه بذرة الاجرام وسقيناها ورعيناها ثم جنينا حصادها المر؟!
من ضمن ما قيل عن «وحش حولّي» إنه تعرّض «للاغتصاب» في صغره، واختمرت جريمة اغتصابه في «لا وعيه» حتى تفجرت على شكل انتقام ممن يستطيع من الاطفال لينفس عن اختمار حادثة اغتصابه الطفولية! قد يصدق علماء النفس فيما حللوه وتوصلوا اليه يساعدهم على ذلك ما اعترف به الجاني نفسه، ولست هنا لأناقش تلك الأسباب نفيا أو تصديقا، ولكن يخطر لي أن أتساءل: اذا ما كانت تلك هي الأسباب الدافعة للانتقام، فلماذا لم تكن قريبة زمنيا من وقت ارتكاب الجريمة ضده؟ ولاسيما في فترة يفاعته ومراهقته وعند بلوغه، حيث الاندفاع الغريزي أقوى والانضباط السلوكي والعقلي لم يصل الى مرحلة النضوج، فضلا عن أن الذكرى الأليمة كانت ذات مساحة أكبر في ذاكرته؟!
أريد أن أصل الى ما أعتقد أنه حقيقة غائبة أو نغيّبها نحن اذا ما اكتفينا بايراد تلك المسببات والدوافع واكتفينا بذلك! تلك الحقيقة المحتملة هي ان ثمة أسبابا أخرى «جعلته مجرما» استجدّت عليه في بلادنا، ولم تكن موجودة أو كامنة في نفسه وهو في بلاده!
ربما أن ثمة خللا حياتيا واجتماعيا في بلادنا يساعد في تصنيع المجرمين وتحوّل الابرياء الى جناة! اننا نستورد العمالة دون دراسة اقتصادية واجتماعية ودونما حاجة اليهم، ولكن لارضاء بعض الاستغلاليين من تجار الاقامات الذين يخزنون العداوة والبغضاء وحب الانتقام منهم في نفوس أولئك العمال البسطاء الذين بذلوا كل ما يملكون للكفيل في سبيل استقدامهم الى بلادنا دونما ضمان حقيقي لعيشة كريمة في بلادنا ناتجة عن عمل شريف ومجز! لذلك فهو يتحول الى منتقم من مستقدمه ومصاص دمائه، ولكن المجتمع كله يدفع ثمن جريمة لم يرتكبها!