صالح الشايجي
من لم يدر فقد آن له أن يدري، ومن درى وغطّى الحقيقة أو تعامى عنها، فعليه أن يفتح عينيه جيدا و«يبحلق» في الحقيقة ويتعامل على أساس من وجودها، لا في غيابها أو توّهم غيابها!
أما الحقيقة فتقول إننا كلنا «علمانيون» شاء من شاء وأبى من أبى! فمن عاش في كنف دولة دستورية ديموقراطية عمادها الدستور وتداول السلطة التشريعية حسب اختيارات تتم وفق قوانين وضعية، فهو «علماني» بالضرورة، لأن الفرد عنوان الجماعة والجماعة هي الدولة، وبما أن الدولة «علمانية» فإن «الجماعة» علمانية أيضا والفرد المكون الأساس لها علماني أيضا!
قد يتوهم متوهم، أو يظن ظان، أن العلمانية كفر وخروج عن الملة، وهذا وهم وافتراء وافتئات على الحقيقة، فقيمة الدين لا تتحقق إلا في الدولة العلمانية، ولا أغالي إذا ما قلت إنه ليس على الأرض دولة دينية واحدة، ولم تقم سابقا ولن تقوم لاحقا! ورغم هذا فالناس على دينهم في حماية دولة علمانية لا دينية!
وكل ما في الأمر أن هناك دولا «علمانية بالضرورة» تريد أن تسبغ عليها الطابع الديني من أجل إرضاءات سياسية، لا احتفاء بالعقيدة ذاتها بسبب عجز وقصور في تطبيق العقيدة واخضاعها لنظام الدولة.
في الدولة العلمانية يستطيع المتدين أن يمارس حقوقه ومعتقداته وطقوسه الدينية كلها، وبمباركة الدولة وحمايتها، أما في ظل ما يتوهمه البعض من أنه «الدولة الدينية» فلا يمكن لأحد ممارسة عقائده وطقوسه الدينية الخاصة به لأن للدولة الدينية رأيا قد لا يوافق الكثيرين ولا يتفق معهم، كما أن الدولة الدينية ستصبح محلا للتنازع والتجاذب بين أصحاب الآراء المختلفة في فهم النص الديني، ما يولّد احتقانا بين أصحاب تلك الآراء والاجتهادات، وبالتالي تتوقف الدولة الدينية لا عن مسايرة العصر فقط، بل ستتوقف عن تطبيق النص الديني بسبب تعدد الآراء واختلافها حوله.