صالح الشايجي
ليس ضروريا ان ترى «الحقيقة»، حتى تأخذ صفتها وتكون «حقيقة» فعلا!
الحقائق لا تحتاج الى شهود، فهي بمجرد وقوعها تكتسب اهليتها وتصبح حقائق!
وحقائق التاريخ كلها، لم نرها نحن المعاصرين الحاليين، بل ان بعضا من معاصريها قد يكونون شاهدوها، والاغلبية المعاصرة لها لم ترها، ولكنها سلمت بالامر تحت عوامل السمع والرواية والاقتناع، ثم انتقلت الينا وصرنا نصدقها بالتواتر، والقليل منا من اجتهد في إنكارها من خلال ادلة واثباتات وبراهين، فصارت تلك الحقائق والمسلمات تتأرجح بين التصديق والتكذيب.
والذين يشككون اليوم في فساد مؤسستنا البرلمانية، وفساد بعض من تعاقب على مقاعدها، يتذرعون لتسويغ شكوكهم بأنهم لم يروا ولم يشاهدوا! وفي هذا القول مجافاة للحقيقة وصدود عن الحقيقة التي لا تنتظر معاينتهم هم او مشاهدتهم كي تكون حقيقة، وكذلك فإن في مثل هذا الامر سلبية وتخليا عن ممارسة دور المتفحص والمتابع والمدقق، والذي يستقرئ الامور ويعتد بالنتائج!
ومثلهم اولئك الذين يراهنون على مستقبل «الديموقراطية» بشكلها الراهن، متسربلين بأعذار واهية واحلام وامانٍ لا يسندها واقع مثل ان المجلس المقبل سيكون خيرا مما سبقه، وان الدفع بالعناصر الجيدة والكفؤة هو الذي سيصلح حال العمل البرلماني! وتلك خرافة اخرى لا تقل عن نظيرتها الاولى، لان المجالس النيابية لا تشكلها النوايا الحسنة ولا الطيبون ولا الوطنيون، بل ان الذي يشكلها هو المصالح الذاتية والخاصة لمن يحارب من اجل الوصول الى الكرسي البرلماني باذلا النفيس والانفس، والصحة والمال في سبيل ذلك! ألم يتساءل احد من ذوي النوايا الحسنة عن سبب كل هذا البذل وهذا البذخ؟! هل يعقل ان يفعل احد ذلك لاجل المصلحة العامة او المصلحة الوطنية «فقط لا غير»؟!
حينما لم يكن هناك ما يسمى بـ «الحملات الانتخابية» وكان كل ما يتكلفه المرشح طبع عشرين لوحة تحمل اسمه موزعة على شوارع دائرته الانتخابية، كنا نصدق ان الهدف وطني، ولكن بعدما صارت الحملات تكلف مئات الآلاف والملايين، فلابد ان نكون في غاية السذاجة حتى نصدق!