بعيد كل البعد عن جادة الصواب، ويحلق خارج سرب الفهم السليم والتفكير المستقيم، من يظن أن العدل ليس عدلا إلا إذا جاء على مشتهاه وهواه.
«إن العدالة عمياء» هكذا قالوا وهكذا وصفوها، وهي أيضا صماء لا تسمع، وهي بغير تينك العاهتين العمى والصمم لن تكون عدالة ولن تكون عادلة.
القاضي يفحص أوراق القضية ولا يفتش في قلوب الماثلين أمامه من متهمين أو خصوم، فلا يدنو من هذا ولا يحلق بعيدا عن ذاك، ولا ينزه هذا ويعلو به ولا يدني من قدر ذاك ويحط به.
لقد ضقنا ذرعا وملت أسماعنا أصوات الناعقين الزاعقين الذين يشككون بأحكام القضاء إن لم تأت على هواهم ومشتهاهم، ويدقون الطبول ويقيمون الأفراح ويرفعون الزينات إن وافقهم الحكم وأنصفهم.
وهذا أمر شديد الخطورة ولا بد من التدخل لزيادة تجريمه والقصاص من أولئك المشككين وتغليظ العقوبة عليهم، حتى يرتدعوا، صونا للقضاء ورجاله وأحكامه، وحتى لا تتحول بلادنا إلى غابة لا عدل فيها ولا هيبة لقضائها.
إن ما نراه نحن العامة أو ما نقرؤه من قضايا تنظرها المحاكم، يجعلنا نشكل رأيا فيها ونصدر أحكامنا بتجريم هذا الطرف وتبرئة الطرف الآخر، رغم أننا بعيدون عن القضية وتفاصيلها ولم نقرأ حرفا واحدا مما ضمته مئات أو آلاف الصفحات التي تحوي مجرياتها وتفاصيلها، وإذا ما جاء الحكم عكس توقعنا تبرمنا وضاقت نفوسنا وأصابنا الإحباط، ناسين أنه لا ناقة لنا ولا جمل في القضية ولا نعرف عنها شيئا، إنما قادتنا عواطفنا وتعاطفنا مع طرف من أطراف تلك القضية وبناء عليه أصدرنا حكمنا العاطفي والذي لا علاقة له بالعدل ولا بالعدالة.
وتأتي أهمية تنزيه القضاء ورفعه فوق مستوى الأهواء إذا ما كانت القضية عامة وليست خاصة مثل تلك التي شهدتها قاعات المحاكم والخاصة بمقتحمي مجلس الأمة، فهذه قضية وطن ولا يجب النظر إليها من منطلق عاطفي، وعلى الجميع احترام قول القضاء وحكمه والامتثال إليه.
القضاء هو الذي سجنهم والقضاء أيضا هو الذي أطلق سراحهم.
حقا «العدالة عمياء».
[email protected]