مثلما أن هناك روائيين وقصاصين يكتبون قصصا وروايات من نسج أخيلتهم وتتكئ في جزء منها على الواقع، فقد صار لدينا مؤلفون محترفون لتقارير وروايات سياسية من نسج خيالهم متكئة في جزء منها على الواقع.
عرفت البشرية منذ أزمنتها القديمة التأليف، فألف الكثيرون الخرافات والأساطير والتي غدت مع تقادم العهود ومرور القرون جزءا من التراث الإنساني، ومثلها المسرحيات والقصص والروايات والقصائد الشعرية، وصار لتلك الإبداعات منابر ومحافل خلدتها وأدت إلى شهرة كتابها ومبتدعيها.
وعرفت البشرية قبل ما يزيد على القرن الصحافة والنشر الخبري بوساطة المبرقات فتأسست الصحف ووكالات الأنباء ثم الإذاعات فالتلفزيونات وإلى آخره مما عرفنا وعايشنا.
ووصلنا اليوم إلى زمن الإنترنت والفضاء المفتوح والدخول إلى عوالم جديدة دون استئذان أو طرق أبواب، وغدا كل منا صحيفة ووكالة أنباء ومحطة إذاعة وقناة تلفزيونية خبرية تحليلية سياسية. وبسبب هذا الفضاء المفتوح المفضوح عاد كتاب الأساطير ومنشئو الخرافات إلى السطح واعتلوا المسرح من جديد ليبدعوا ويقدحوا زناد أخيلتهم ويسرحوا في الخيال ويمرحوا وينيخوا نوق أساطيرهم.
صاروا تجارا يبيعون أكاذيبهم بأسعار بورصوية تعلو وتهبط حسب العرض والغرض والطلب. ومن كثر كذبه وأحكم خرافته زاد سعره في عالم الخلق والابتداع.
يستأجرهم الساسة من أجل حبك حكايات وروايات وقصص تعلي من شأنهم وتظهرهم أبطالا لا يشق لهم غبار في سوح الوغى ولا في سوق البغال!
كتاب التقارير أولئك وناسجو الخرافات لا يقتصر دورهم على تلميع من يعلفهم ومن اكتراهم أو اشتراهم، ولكن لهم دورا مزدوجا، فمثلما هم يلمعون سيدهم وينسجون حوله عرائش الخلود، هم أيضا حمالو معاول لتحطيم خصوم أسيادهم ونسف كل ما يربطهم بالأرض.
ولهم في ذلك أسلوب خبيث، حيث يبدأون بذكر صفات الخصم الحقيقية، من أجل جذب القارئ أو السامع وإيهامه بصدقيتهم، ثم يبدأون برميه بسهام الكذب الحارقة الماحقة، ومع الأسف فإن كثيرا من الناس يقعون ضحايا أولئك الملفقين الأفاقين ويصدقون افتراءاتهم ويتعاملون معها وكأنها حقائق غير قابلة للدحض ولا الاستئناف ولا النقض!!
تفشت الأسطورة فتفشى الجهل بين كثير من أهل هذا الزمان، مثلما تفشت الأسطورة وتفشى الجهل بين أهل الأزمنة القديمة.
[email protected]