خلال تقديم محاضرة حول قياس الرأي العام وتأثيره، إلى نخبة من العرب في إسطنبول قبل سنوات، كانت تعليقات أحد الحضور عميقة ومميزة، ولكنها مركزة على الجوانب التأثيرية (السلبية)، والدوافع المخفية لهذه الصناعة، لأغلب من يعملون فيها، وهو الأمر الذي ذكرني بكتاب «المتلاعبون بالعقول» لهيربرت شيللر، والذي أفاض في الحديث عن صناعة استطلاعات الرأي بجذور فلسفية وممارسات واقعية مع تركيزه على الجانب المظلم.
تشرفت بعد المحاضرة بالتعرف أكثر على صاحب التعليقات، والذي تبين تخصصه الراسخ في العلاقات العامة والإدارة والاتصال، وهو ما فسر بوضوح تخوفاته وأفكاره الممتدة.
أصبح حقل العلاقات العامة علما وفنا ومهارات، له مدارسه وشركاته وميزانياته الضخمة، كما ذكر صاحبنا في محاضرة قدمها مؤخرا، وهو كأي مجال في العالم له سلبيات وإيجابيات، ولكن قد تغلب النظرة السلبية إليه عند البعض أكثر من غيرها، حين يرتبط بمعاني التأثير والتسويق وجماعات الضغط (لوبي)، وكأنه يتشابه مع سلوك المحامين الذين يسعون فقط إلى نصرة موكليهم على حساب الحقيقة، ألم تسوق شركات العلاقات العامة الأميركية لمن انقلبوا على شرعية الصناديق لأن من انقلبوا دفعوا؟!
وفي الجانب الإيجابي، تستخدم العلاقات العامة للتعريف بنشاطات المؤسسة والدفاع عنها أمام الجمهور، وإحداث التأثير الذي يخدم مصالحها وأهدافها، وتحقيق التفاهم المتبادل بينها وبين الهيئات والمؤسسات الأخرى في المجتمع بما يخدم المنفعة العامة، وتعقب وتحليل ما ينشر عنها في وسائل الإعلام المختلفة.
ولذلك، فإن المختص بالعلاقات العامة يركز على التأثير والتغيير، وهو يكون في العادة أكثر ميلا وتوجها إلى التسويق، حتى ان 60% من التنفيذيين في العلاقات العامة، وفقا لتقرير الاتصالات العالمي 2017، الصادر عن كلية USC Annenberg للاتصال والصحافة، يعتقدون أن التسويق المؤثر أصبح أكثر أهمية، وفي هذا الإطار، يستعين المختصون في العلاقات العامة بالدراسات المتخصصة، خاصة الإحصائية، فالعلاقات العامة هي التي تحتاج الدراسات أكثر من حاجة أهل الدراسات للعلاقات العامة.
ويسعى العاملون في العلاقات العامة إلى تحقيق عدة أهداف: التواصل ما بين الجمهور والمؤسسة التي يعملون فيها، وتحسين الصورة الذهنية للمؤسسة وعلاقتها مع ذوي المصلحة، ورصد المعلومات والبيانات.
إن الوصول إلى الأهداف السابقة يتطلب اعتماد الحلول التوافقية والاتصاف بالحيادية، وأن يمسك المختص بالعلاقات العامة العصا من منتصفها، ساعيا قدر الإمكان للتوفيق بين قرارات الإدارة العليا ومصلحة المؤسسة من جهة، وقناعاته الشخصية ومبادئه من جهة أخرى.
[email protected]