مع فرحنا بانتصار المقاومة وصمودها 11 يوما، إلا أن ذلك ينبغي ألا يلفت انتباهنا عن الواقع الأليم لقطاع غزة المنكوب، والتكلفة الباهظة التي تكبدها بسبب العدوان الأخير، والتي قدرها البعض بنحـو 8 مليارات دولار، بتنا نحن مطالبين بدفعها عوضا عن أن يتكبدها الجاني.
استنزف الكيان الصهيوني، بحروبه الإجرامية وعدوانه المستمر وما تسبب فيه من دمار، قدرة البلدان العربية والإسلامية، وجهاتها الخيرية الرسمية والشعبية، التي رغم أنها تهب من تلقاء نفسها لنصرة ودعم الأشقاء في نكبتهم إلا أنها تجد نفسها أيضا بعد كل عدوان، مطالبة من الهيئات والمنظمات الدولية، بدفع الأموال لإعادة الإعمار، بدلا من مطالبة الجاني بالتعويض عما اقترفته يداه، وهكذا تبقى الجهات الخيرية في دوامة استهلاك مواردها، التي وإن جاء بعضها من التبرعات في بلدان مقتدرة ماديا، إلا أن بعضها الآخر كان تبرعا من فقراء اقتطعوها من أقواتهم لنصرة ودعم إخوتهم.
خلال العدوان على غزة أعوام (2008 - 2012 - 2014)، قدمت الجهات الخيرية والمتبرعون مليارات الدولارات أثناء الحرب وما بعدها لإعادة أعمار غزة، ومع شعورنا بالتقصير الفادح إذا لم نقم في ذلك، وبقدر فرحنا بهذه الإنجازات بجمع ملايين التبرعات، إلا أننا قد ننسى أصل المشكلة، وهي ضرورة إيقاف المعتدي عن عدوانه، والسعي إلى تجريمه وتحميله مسؤولية جرائمه، وليس الاقتصار فقط على معالجة الآثار الناجمة عن العدوان، ونحن بذلك ودون وعي نشجع المجرم على ارتكاب المزيد من الجرائم، دون خوف من أن تطاله أي عقوبة، حتى وإن تكبد هو خسائر مادية في القطاع الخاص أو المجهود الحربي كما حدث في حرب غزة الأخيرة.
لو كنت صاحب قرار في هذه التبرعات لخصصت جزءا منها لمعركة القانون والسياسة والضغط واللوبي والإعلام بكافة مستوياته، لتسهم في ردع هذا المعتدي ومنع عدوانه في المستقبل، وإيقاف استنزاف جيوب المتبرعين.
ومع التقدير لكل الجهود الجبارة والغايات المخلصة لما تقوم به الجهات الإنسانية والخيرية، ستبدو نظرتنا إلى التبرعات سطحية، إذا اقتصرت على إرسالها إلى الإغاثة والصحة والعلاج والتعمير دون خطوات عملية ملموسة رادعة تمنع تكرار هذا الاعتداء والتخريب والدمار، فما معنى أن يستمر حصار غزة وعزلها بلا مطار بقرارات دولية، ودون أن يكون لها فضاء جوي وبحري إلى جانب القيود البرية، بينما بإمكان الدول العربية - بدعم من دول صديقة أخرى - أن تقدم العون لفك الحصار وإنهاء هذه العزلة، والإفراج عن هؤلاء المعتقلين في أكبر سجن عرفه العالم؟ فهذا أفضل بما لا يحصى من المرات في مساعدة القطاع وأهله على المدى الطويل، جنبا إلى جنب مع المساعدات التي قد تفلح في تسكين الألم على المدى القصير.
[email protected]