تبدأ القصة بوصول رسالة قصيرة أو إيميل أو حتى مكالمة هاتفية إلى الضحية، تطالبه بسرعة تحديث بيانات حسابه البنكي قبل أن يتم إغلاقه، فتبادر الضحية على عجل إلى إرسال بعض البيانات وحتى كلمة السر إلى المرسل!، وما هي إلا دقائق أو أقل، إلا وتفجع الضحية بعداد انخفاض الحساب البنكي وحتى تصفيره وضياع تحويشة العمر وتكتشف أنها كانت ضحية لعملية نصب متقنة!
تكررت هذه الحادثة في الكويت مثل باقي الدول مرارا خلال السنوات القليلة الماضية، وكان ضحاياها من المواطنين والمقيمين على حد سواء، ممن فقدوا كل مدخراتهم، ووصلت المبالغ المسروقة في إحدى الحالات إلى 70 ألف دينار.
هذا رغم أن البنوك الكويتية قد شددت في تعليماتها إلى العملاء بعدم إرسال هذه البيانات إلى أي كان، كما أن من المحظور عليها قانونيا أن تطلب من عملائها إرسال البيانات المصرفية عبر المكالمات الهاتفية أو البريد الإلكتروني أو الرسائل أو غيرها مما لا نجد مبررا لاستمرار الوقوع في هذه المصيدة بهذه السذاجة من قبل البعض لغاية الآن.
وبعد التبليغ عن الجريمة، فإن أكثر ما يستفز المرء ويثير الحيرة في نفسه، طول الوقت الذي تستغرقه إجراءات التحقيق، والتي قد تمتد إلى سنة أو أكثر دون فائدة، رغم أن السرقة قد تمت بتحويل الأموال إلى حساب بنكي آخر داخل الكويت نفسها واستخدام رقم محلي، ما يجعل من السهل منطقيا تتبع الأمر واكتشاف هوية المحول إليه، فضلا عن أن من يمتهنون هذه السرقات هم فئة محدودة، والحسابات التي يحولون إليها الأموال المسروقة هي ذاتها، ولا يبدو من الصعب أن تقوم السلطات المختصة بتحديدهم وحصرهم.
إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب القيام بتعديلات تشريعية تغلظ عقوبة هذه الجريمة، وتفرض نوعا من الرقابة والرصد لتتبع الحسابات التي تتدفق عليها الأموال من حسابات أخرى متنوعة وبصورة مشبوهة، وتفرض على أصحابها تفسير الأموال التي وصلتهم، مع جعل التحقيقات بهذا الخصوص شفافة وفي متناول الجمهور، وأن تبسط في ذات الوقت الإجراءات التي ينبغي للمواطن القيام بها للتبليغ عن الجريمة ومن ثم سرعة استرداد أمواله المنهوبة، مصحوبة بتغطية إعلامية تحذر من مغبة الإقدام على مثل هذه الجرائم وجدية السلطات في ملاحقة من يرتكبونها.
كذلك ينبغي أن يكون هناك مزيد من توعية الشخص بكيفية تجنب عمليات الاحتيال الإلكتروني وضرورة عدم إرسال البيانات المصرفية لأي كان، وتشجع الشخص في الوقت ذاته على التبليغ في حال تعرضه للاحتيال، فالبعض قد يحجم عن التبليغ بسبب تعقد الإجراءات التي تتطلب إبلاغ مركز الشرطة، ومن ثم مراجعة إدارة الجرائم الإلكترونية، أو الخجل من الاتهام بالجهل والغباء والسذاجة.
من المفهوم وجود بعد قانوني متعلق بسياسات حماية الحسابات الشخصية، وهوية المحول إليه، وأن الأخير قد يكون بريئا من تهمة السرقة، وأن الأموال قد حولت إليه من باب النكاية به وتوريطه، لكن كل ذلك لا يبرر تعقيد وطول الإجراءات لرصد التحويلات بين حسابات كلها داخل الكويت.
لعل هذا النمط من الجرائم ومن يقف وراءها يجد مكانه في دراسات ستجرى قريبا من جهات داخل الكويت لمكافحة الفساد بمفهومها الشامل، لأن استمرار مثل هذه الجرائم، وعدم قدرة السلطات على معرفة مرتكبيها، سيقود المجتمع إلى اهتزاز الثقة بالأجهزة الأمنية وقدرتها على ملاحقة المجرمين وردعهم بل والشك بشبهة فساد أكبر من الظاهر، كما أنه سيشجع المجرمين على تكرار الجريمة مجددا، فمن أمن العقوبة أساء الأدب واستمر في النصب والاحتيال وطلب تحديث بياناتك البنكية المزعومة!
[email protected]