لطالما تعرض العمل الخيري إلى حملات التشكيك المغرضة، وطولب القائمون عليه بالشفافية والكشف عن حجم ومصارف الأموال التي تصلهم، وتوثيق الأعمال والحملات التي يقومون بها، بما دفع الجهات الخيرية ذاتها إلى الضغط، إن صح التعبير، على المستفيدين، ومطالبتهم بتقبل تصويرهم وتوثيق المساعدات التي يتلقونها.
ومع التسليم بأهمية التوثيق في العمل الخيري، إلا أن مواقف المستفيدين تجاهه ليست واحدة، فبعضهم قد يرفضه ويعتبره مساسا بكرامته، وهو ما يشكل عبئا إضافيا على الجهات الخيرية إذا زاد عن حده!
وهكذا، تحاول الجهات الخيرية قدر المستطاع إمساك العصا من المنتصف، وأذكر أثناء تجربة الاطلاع على مشاريع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN HABITAT، ومنها ما تطلب لقاء بعض المستفيدين من مشروع إعادة تأهيل المنازل المتضررة بفعل انفجار بيروت، والذي نفذه البرنامج بمساهمة من الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وكان هناك حشد من المصورين بما يناسب تعدد المشاريع والجهات التي سيتم زيارتها في يوم طويل في بيروت وطرابلس، ومع إحساسي بالسعادة لزيارة المستفيدين ورؤيتهم وهم ينعمون بثمرات المشروع، إلا أنني وقتها شعرت بالقلق وشيء من المرارة، إذ دخلت معنا الكاميرات الفاخرة إلى بيوت المستفيدين المتواضعة، حتى هدأت النفس بسماع تعليمات من منظمي البعثة حدت من دخول كامل الكاميرات المرافقة لنا في الجولة الطويلة!
استفسرت وقتها من القائمين على البرنامج فيما إذا كانوا قد استأذنوا المستفيدين في التصوير، وهل كان ذلك قبل تلقيهم المساعدة، وهي ترميم منازلهم، أم بعدها، وكيف كانت آلية التواصل معهم، وعلمت من مسؤولة العلاقات العامة أن البرنامج حين قدم المساعدة لـ102 مستفيد منحها لمن أظهر التقييم أنهم أولى بها، ولم يربطها بإلزامهم بتصويرهم، ومن بين هؤلاء تقبل البعض لاحقا وليس من البداية، ودون أي ضغط، موضوع التوثيق والتصوير دون الإحساس بالحرج!
ورغم محاولة تخفيف الحرج على المستفيدين الذين وافقوا على التصوير، ومنها شكرهم على قبولهم المساعدة وأن هذا تشريف للمانح، إلا أنني أدرك جيدا باستمرار الحرج أمام هذه الممارسات، ولذا فإنني أرجوهم أن يسامحونا وأن يلتمسوا الأعذار للجهات الإنسانية فيما تفعل، فهي تتعرض أحيانا إلى حملات آثمة ابتزازية ومغرضة للتشكيك في نزاهتها، تركت آثارها وبدرجات مختلفة على جمهور المتبرعين!
وأيضا فليعذرنا الفقير والمريض والمحتاج والمكلوم، فهناك متبرع يريد أن يفرح بصدقته أو زكاته أو وقفه أو جزء من تركته وأن تعطى لمن يستحق، حتى وإن لم يعرف بنفسه، ومتشكك مريض النفس يقتنص الأخطاء والثغرات ليشكك بنزاهة العمل الخيري.
سيبقى هناك كثير من الجدل والنقاش حول الأخلاقيات والضوابط في توثيق العمل الخيري، مثل استئذان المستفيد وتغطية وجهه وتصويره في مكان لائق، ومراعاة الفوارق بين المساعدات الأكثر حرجا، ان صح التعبير، كالفقر المدقع ومساعدات الغذاء، وتلك الطارئة مثل ترميم البيوت المتضررة لحدث استثنائي أو صراع دموي، في محاولة جادة للموازنة بين الحفاظ على كرامة المستفيدين وإنسانيتهم، وتوثيق العمل الخيري، عسى أن يعذرنا المستفيدون ويرحمنا المتبرعون ويتقي الله المشككون!