طرابلس «الفيحاء»، هي ثاني أكبر مدن لبنان بعد العاصمة بيروت، تقع شمالي بيروت على بعد 85 كيلومترا، وتبعد حوالي 40 كيلومترا عن الحدود السورية، وهي تنقسم إلى قسمين: الميناء والمدينة نفسها وضواحيها.
تبلغ مساحة طرابلس حوالي 15 كيلومترا، ويصل عدد سكانها إلى نحو 500 ألف نسمة، يعيش غالبيتهم في أوضاع بالغة السوء، وبمعدل دخل يومي لا يتجاوز 2 دولار أميركي للفرد، وعلى الرغم من اتساع سهولها الممتلئة بأشجار الأرز، إلا أن العاصمة الثانية للبنان، أصبحت تصنف الأكثر فقرا على مستوى ساحل البحر المتوسط، وفقا لتقديرات البنك الدولي عام 2017، وغيرها من أرقام مأساوية وردت في العديد من التقارير.
ويعزى ذلك إلى عدم الاهتمام بالمشروعات التنموية أو السياحية الجاذبة للعملة الأجنبية، وتقصير المسؤولين وحالة التخبط الحكومي اللذين أغرقا طرابلس في الفقر، خاصة بعد إغلاق نحو 60% من المؤسسات الاقتصادية، نتيجة تفشي فيروس كورونا، ووصل معدل البطالة 60%.
مرت المدينة بمحطات متتالية من المعاناة، سواء خلال فترة وجود الجيش السوري، وفيما مرحلة ما بعد الانسحاب السوري عام 2005، عانت طرابلس من الصراع الداخلي، وجاءت الأزمة السورية ثم الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وأزمة الوقود والكهرباء والدواء، لتزيد من معاناة المدينة وأهلها كحال كل لبنان مؤخرا.
وكان لانفجار مرفأ بيروت، في أغسطس الماضي، أن يسلط الضوء على جانب آخر من تهميش المدينة، عاينته في إطلالتي على المدينة قبل أيام، فرغم تعطل 70% من مرفأ بيروت، إلا أن مرفأ طرابلس، وهو ثاني مرافئ لبنان، بقي مهملا دون استغلال وكأنه استمرار للتهميش برغم الحاجة الملحة للميناء.
من السهل لمن يتجول في لبنان، ويستمتع بجمال جبالها وخضرتها وبحرها وشعبها، أن يدرك أن طرابلس ليست وحيدة فيما تعاني، لكن معاناتها هي الأطول والأشد قتامة من غيرها، فإذا كانت التنمية، وهي حق للجميع دون تمييز، متعلقة بالكثافة السكانية وحجم الاحتياج فإن طرابلس أولى.
ورغم انقسام طرابلس بين آراء شتى أثقلت كاهل كل لبنان، إلا أن السكان على اختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الدينية يتفقون على تهميش مدينتهم وفقرها وسوء حالها، ويرفضون ما يقوم به الإعلام اللبناني من زيادة الطين بلة، حين عمد وباستمرار إلى تصوير طرابلس كمعقل للتطرف والتعصب، فضلا عن تخويف السفارات الغربية من زيارة المدينة، وهو ما يفاقم حرمان المدينة التي تملك بيئة سياحية خصبة، الأمر الذي يستفز زوار المدينة مثل ساكنيها!
[email protected]