طرقت التكنولوجيا الحديثة أبواب القطاع الخيري، شأنه في ذلك شأن باقي قطاعات الحياة، وباتت من أهم الوسائل التي يستخدمها لتحقيق أهدافه، وفي هذا الإطار، استحدثت قواعد البيانات الخاصة بأسماء المستفيدين من الأسر والأفراد الفقراء.
وتكتسب قواعد البيانات هذه أهمية كبيرة، حيث أكدت الدراسات أن جهود مكافحة الفقر تتطلب وجود قواعد بيانات واضحة وشاملة ويتم تحديثها باستمرار، كما أن من شأنها أن تخدم زيادة التنسيق بين جميع الهيئات والمؤسسات العاملة في مجال الحد من الفقر، وأن تلغي وبشكل تدريجي التناقض الذي حدث في جهود المؤسسات المختلفة للحد من الفقر بسبب استخدامها بيانات مختلفة ومتناقضة.
وستعزز هذه القواعد التسجيل والمراقبة والتقييم والرقابة، وتضمن تقديم المساعدة والعون وفقا للحاجة الفعلية، وأن تحد من الاحتيال الذي قد يقوم به بعض الأشخاص، حين يتلاعبون بالبيانات أو يخفونها للحصول على المساعدات من أكثر من جهة خيرية في ذات الوقت، وهو ما يحرم آخرين قد يكونون أكثر حاجة من تلقي العون، كما أن تضمن هذه القواعد لبيانات مكانية سيسهل على موظفي المؤسسات الخيرية الوصول إليهم دون عناء، وسيمكن الباحثين من إجراء الدراسات التحليلية لحالة الفقر الحالية والمستقبلية.
في المقابل، تواجه هذه القواعد عدة تحديات، ولعل أهمها وأخطرها حماية خصوصية المستفيدين، فهؤلاء في العادة، حين يرغبون في الحصول على الدعم، يقدمون كما كبيرا من المعلومات الشخصية، والتي حرصت المواثيق الأخلاقية على ضمان حمايتها بما يعرف بالحق في الخصوصية Right of privacy، كما يعرف في مجال قياسات الرأي العام بإخفاء هوية المستجيب De-identification وهو ما كتبت عنه سابقا تحت عنوان «خصوصيتكم التي لا تمس!».
إن غياب الأمن عن أنظمة المعلومات الخاصة بقواعد بيانات المستفيدين، لن تجعلهم يفقدون الثقة بالمؤسسات الخيرية فحسب، وإنما قد تجعلهم أكثر فقرا وتهميشا، ليس بسبب قلة المال هذه المرة، وإنما بسبب الحرج من انتشار أسمائهم واطلاع الآخرين على فقرهم ومدهم لأيديهم!