في كل مرة تتم إعادة النظر في آلية منح رخص القيادة لغير الكويتيين، يعود النقاش والجدل حول هذا الموضوع الساخن بأبعاده الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، وصلته الوثيقة برفاهية الحياة وجودتها، وما يرتبط به من ازدحام الطرق في بلد صغير المساحة كالكويت مع وجود أعداد كبيرة من الوافدين، خاصة أن لهذا الأمر خلال السنوات الماضية صدرت قرارات عديدة فرضت قيودا على من يستحق رخصة القيادة، وتنوعت واختلفت وجهات النظر حول تلك القيود، بين من يدعو إلى التسهيل وآخر يدعو إلى التشديد، وهو ما انعكس في دراسة «التوجهات العامة نحو العمالة الوافدة في الكويت»، التي نفذها مركز عالم الآراء بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ILO، والتي استطلعت آراء 700 من الكويتيين، إلى جانب مقابلات معمقة مع 21 من النخبة وقادة الرأي من: القياديين الحكوميين، والرسميين، والنخب الأكاديمية، حيث وجهت إليهم أسئلة متعلقة برخص القيادة واستحقاق الوافدين لها، وكان من بين النتائج المهمة، التي عكستها الدراسة، أن أقر نصف المستجيبين تقريبا بأن بعض الممارسات التنظيمية الحالية، أو تلك التي تتم مناقشتها، مثل القيود على حصول غير الكويتيين على رخص القيادة، تشكل تمييزا، كما رأت نسبة (62%) أن المتطلبات الخاصة باستخراج رخص القيادة تعتبر هي الأخرى شكلا من أشكال التمييز!
وفي مقابل ذلك، تباينت آراء النخبة المستطلع رأيها حول تلك القرارات، فقد رأى بعضهم أن مثل هذه الإجراءات ضرورية للحد من الازدحام المروري وارتفاع أسعار الوقود، بينما أشار آخرون إلى أن رخصة القيادة ضرورية للوافدين لعدم كفاية نظام النقل العام في الكويت ولاسيما بما يتناسب مع أوقات الصيف الحارة.
ورأت نسبة معتبرة من المستجيبين أن مثل هذه القيود تشكل تمييزا، خاصة في ظل الفجوة الكبيرة في الدخل والوضع المالي بين الكويتيين وغير الكويتيين، كما ذكر بعضهم أن بعض الوظائف تتطلب من غير الكويتي الحصول على رخصة قيادة، مما يعني أن هذا الإجراء سينعكس سلبا على سير العمل في قطاعات معينة.
إن حل مشكلة الزحام المروري يتطلب مزيدا من الإبداع والابتكار وتوسعة اقتراحات حلها، وليس مجرد الركون إلى قرارات وإجراءات قد تستخدم بطريقة مسيئة إلى صورة الكويت كبلد مضياف ومركز للعمل الإنساني، وعوضا عن ذلك يجب الاهتمام بتثقيف المجتمع حول ترشيد استخدام السيارات واختيار الأوقات المناسبة ومرونة بالدوام، وتقليل الازدحام بزيادة عدد الركاب مقابل عدد المركبات وقيام الحكومة بتشجيع المواطنين على ذلك بتخصيص مسار سريع مخصص للسيارات التي يركبها أكثر من شخصين، وإلزام السائقين بالاتجاه في ذات اتجاه المسرب الذي كانوا يسيرون عليه «Right lane must turn right» بما يحقق انسيابية وسلاسة في الحركة، ويمنع الحركة العشوائية التي قد تقود إلى الزحام ورفع الضغط، وهو أمر معروف في بعض الدول المتقدمة كما في الولايات المتحدة رغم طرقها الواسعة، بالإضافة للسماح بالسير نحو اليمين عند الإشارة الحمراء أو توسعة المداخل والمخارج للطرق السريعة وغيرها من الممارسات التي يطبق بعضها في الكويت ويعرفها المختصون والمهندسون أكثر منا ويزاد عليها استثمار ما أنعم الله به على الكويت من موارد طبيعية وجغرافية على رأسها الجزر الواسعة ذات بحرها وصحرائها الخلابة!
[email protected]