من أكثر ما يستنزف أوقاتنا ويضيع جهدنا أن نتعامل مع أمور صغيرة بردة فعل سلبية كبيرة لا تستحقها، ومن السذاجة تحويل الكثير من خلافاتنا الى قلق طويل الأمد وصراعات لا تنتهي، مما يحتم أن نسأل أنفسنا في بداية ظهور الاختلافات إلى أي مدى يستحق هذا الموضوع هكذا ردة فعل بهذه الحدة والشدة؟ وهل موافقة رأي الآخر فيه قدح في مبادئنا وقيمنا وديننا أو ظلم دنيوي لا يصح تقبل الخلاف فيه والتنازل عنه!يسرد أحدهم بفخر كيف تعامل بشدة مع من هم أعلى منه إداريا محققا مكسبا كبيرا، مصورا الأمر كما لو أنه استرجع حقا أو رفع ظلما، رغم أن الموضوع برمته بسيط ولا يستحق هذه المناكفة مع رؤسائه ولا يستحق الافتخار به!
في أحد المشاريع البحثية، طلب العميل بعض البيانات والمهام، وانفعل بعض أعضاء فريق البحث، ما بين قائل بأن تنفيذ الأمر سيحتاج إلى أيام، أو أنه يتطلب دفع قيمة إضافية، وآخر يدعو إلى التأكد إذا كان العقد يتضمن نصا ملزما بذلك، ثم كان أن استفسر أحدهم وبمنتهى البساطة، عن عدد وحجم المهام الإضافية المطلوبة، ليتبين أنها كانت قليلة، وأن المطلوب لن يستغرق كثيرا من الوقت والجهد، وانتهى الأمر عندما تم التعامل مع لب القضية بذكاء وهدوء.
وعلى نفس الشاكلة، فإننا في بعض علاقاتنا الاجتماعية نأخذ زاوية محددة من الموضوع، ونستنفر للدخول في نزاع، وكثيرا ما نجد ذات الأمر يتكرر في مؤسساتنا كما تشير له بعض الإحصاءات التي أذكرها أدناه، لدرجة أنني رأيت شركات تقدم خدمات حل صراعات العمل والموظفين مثل Pollack لأنظمة بناء السلام والمصالحة في أماكن العمل.
حسب دراسة «تقدير تكاليف الصراع في مكان العمل» التي أجرتها كلية الإدارة في جامعة شيفيلد ببريطانيا بين 2018-2019، فإن متوسط التكلفة لحل الخلافات في بيئة العمل قد يصل الى حوالي 356 مليون جنيه استرليني.
ووفقا لدراسة عالمية أجرتها شركة الموارد البشرية المتخصصة «سي بي بي» على موظفين أميركيين، تقدر خسائر الشركات بسبب الصراعات في العمل بحوالي 359 مليار دولار سنويا في الولايات المتحدة وحدها عام 2008، حيث يقضي الموظفون في المتوسط 2.8 ساعة أسبوعيا في الخلافات في العمل.
ويرتفع هذا المتوسط ليصل الى 3.3 ساعات في ألمانيا وإيرلندا، وهو ما يضطر الشركات الى طلب مساعدة مختصين لحل الخلافات بين زملاء العمل.
من المفهوم حدوث خلافات، لكن دون أن تصل شدتها الى ما يحيل بيئة العمل الى ساحة نزال، ولذا فإن من الذكاء والحكمة اختصار القيل والقال قدر المستطاع، بل الاعتذار حتى لو كنت محقا والتغافل عن بعض الأمور والميل على نفسك بحدود المنطق، لمصلحة أكبر وغايات أسمى، ومن الحصافة المهنية أن يقاوم المديرون أنفسهم من الانحياز إلى الموظف الذي يسمعون منه أكثر، حتى لا نستنزف أعمارنا بصغائر الأمور ونضيع أموالنا وأوقاتنا وتصرفنا عن أهدافنا الكبرى.
[email protected]