على الرغم من أن وضع الاستراتيجيات يبذل فيه قدر كبير من الجهود والأوقات وتعقد لأجله النقاشات، فإنها تستحق ذلك لأنها تضع رؤية محددة بعينها للسنوات القادمة، وقد تستعين المؤسسات بخبراء مختصين في الاستراتيجيات، وتعقد جلسات العصف الذهني لتخيل بعض ما يمكن تحقيقه في المستقبل، وهو ما نطلق عليه «المستهدفات» لتحقيق الأهداف من خلال مؤشراتها وقياسها.
وفي بعض الأحيان، فإن ثمة أهدافا قد تكون جديدة ولا توجد لها تجربة سابقة، مما يصنع معاناة في طريقة تقديرها، لاسيما إن لم تكن هناك بعض الخبرات أيضا ممن يعملون في هذه الملفات!
ومع ذلك، تبقى هذه القضية من بين تلك القابلة للمرونة، وهو ما كنت قد كتبت عنه سابقا بأن الخطط محفزة دائما وعائقة أحيانا، والخطط إن لم تمتز بهذه الرشاقة فإنها ستصبح قيودا جديدة على الإدارة والتطوير، وقد تضع المؤسسات أهدافا استراتيجية، مع المؤشرات التي تقيسها، ثم لا تفلح في الوصول إلى المستهدفات، لعوامل مختلفة، بعضها قد يكون من داخل المؤسسة نفسها، وبعضها قد يكون متصلا بالجهات الأخرى التي تتعامل معها، ومنها ما قد يكون ذا صلة بالبيئة التنظيمية والتشريعات والقوانين التي تنظم عمل المؤسسة.
وفي ضوء ذلك، وحتى لا تهدر الجهود التي بذلت في إعداد الخطط، لا بد من إخضاعها للمراجعة المبررة في ضوء التطورات والمتغيرات، فالمستهدفات ليست مقدسة حتى لا يعاد النظر فيها بين حين وآخر، لتحليل التطورات وتقديم التفسيرات واقتراح البدائل.
أما في طريقة قياس التقدم الاستراتيجي ومؤشرات الأداء فثمة طرق وأنماط ومرونة قد تخفف هي الأخرى من هالة الأرقام مثل المتوسطات الحسابية لنتائج المؤشرات، وكيف تعوض قوة أحدهما ضعف الآخر، وتبقى أمور، كالصدق مع الذات، العزيمة، الفهم والمنطقية، هي المحك لبذل ما في الوسع لتنفيذ الاستراتيجيات وأهدافها.
وللتأكيد والتوضيح فما ذكرت لا يعني التهاون والتقاعس عن تحقيق المستهدفات والتقليل من أهميتها، وإنما أن تكون لدينا الجرأة والقوة في التعامل مع المستهدفات بمنطقية، والاعتراف بالخلل والتقصير حال وجوده، دون اللجوء إلى المجاملة أو الالتفاف على الأرقام وأساليب القياس.