ان مجال بحوث العمل الخيري من المجالات المتقاطعة في العلوم الإنسانية، فيجمع الباحثين من علم الاجتماع والنفس والشريعة والاقتصاد وغيرها من المجالات التي تجعله من التخصصات النادرة المحفزة للتحدي، ولذا ارتقت بعض الجهات الاكاديمية لتمنح شهادة الدكتوراه في العمل الخيري مثل جامعة إنديانا في كلية Lilly Family School of Philanthropy، وما تضمه الكلية من معهد المرأة والعمل الخيري Women Philanthropy Institute (WPI) الذي يهدف لفهم الأعمال الخيرية للمرأة من خلال البحث والتعليم وتبادل وجهات النظر لتحسين الأعمال الخيرية، فتجد مواضيع المرأة هي العامل المشترك في بحوثهم وبرامجهم يبرزون تطوعها وأعمالها الخيرية وسلوكها الخيري.
هناك الأدبيات التي دونت للعمل الخيري والمرأة مثل كتاب «المرأة والعمل الخيري في التعليم»، كما اهتمت بعض الجهات بالنظر للمرأة بأنها كنز للعمل الخيري تسهم في مسيرته وتطوره وقوته، ولذا تأسست بعض المنظمات للاستفادة منها كمقدمة للعطاء ومستفيدة.
لا أدري الى أي مدى تختلف المرأة في العمل الخيري شعورا وعاطفة وحماسا وسلوكا، فلا أنسى تلك الرسالة التي وصلتنا بعنوان Thanks and signing off من واحدة من باحثي الرأي العام وعضو جمعية بحوث الرأي العام الأميركية AAPOR تشكر وتودع المجموعة بأنها ستتركنا لتتفرغ لمهمة خدمة الله والعمل الانساني في إندونيسيا مع زوجها لمدة 18 شهرا، خاتمة رسالتها بأن البعض قد يضحك عليها، ولكنها سردت انجازاتها الخيرية والانسانية!
ثمة مواضيع في العمل الخيري والإنساني تضفي مشاركة المرأة فيها روحا وقوة ونظرة من الداخل، فالمرأة معنية بهذا المجال كمستفيدة وباحثة وكفاعلة وناشطة مازالت تقدم نماذج حية وأثرا واضحا، فأذكر حينما اشتركت مع زميلة في دراسة الحالة النفسية للمرأة السورية في مخيمات اللاجئين السوريين في عدة مخيمات بتركيا، وكيف كان لإسهامها في جمع البيانات من الداخل والتعامل مع الحالات المتنوعة للمستجيبات دور كبير في إثراء الدراسة، كما تشرفت بمشاركة د.أحلام فرهود في دراسة عن المتطوعين في الأزمات، وفي مجال ممارسة المرأة للعمل الخيري فقد قدمت بعضهن نماذج مذهلة أمثال معالي العسعوسي وغيرها وتستحق تجربتهن أكثر من التوثيق للبحث المنظم المتراكم لتستفيد منها الأجيال.
كان من اللافت قبل سنوات أن يكون عنوان وموضوع المشاركة في مؤتمر عالمي للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية عن «دور المرأة في العمل الخيري»، هذا المؤتمر الذي لم يكتف بتوصيات على الرف أو بالأدراج بل توج قبل أيام بالانتهاء من مبادرة عالمية أو خارطة طريق لتشجيع المرأة المسلمة على الأعمال الخيرية من تطوع واغاثة وعطاء وفق المرجعية الشرعية تؤثر على سير العمل الخيري العالمي لاسيما في الدول الاسلامية حيث قدمت هذه المبادرة على شكل وثيقة رسمية باسم الكويت باعتبارها مركزا للعمل الإنساني لتفعيل دور المرأة في العمل الخيري بمشاركة عشرات المؤسسات الاسلامية والعالمية والنخب واللجان المتخصصة واستندت لعشرات الدراسات والأبحاث.
الآمال المعقودة والآثار الكبيرة المنتظرة في مسيرة العمل الخيري النسائي الاسلامي تستحق مثل هذه المبادرات والوثائق والجهود، وأن تتوج بتغير مسار العمل الخيري والإنساني، بالارتكاز على البحوث والبيانات والمعلومات لاستمرار تطويرها وتطبيق ما فيها.