كان من المستغرب عنوان الدعوة التي وصلتني للمشاركة في جلسة تحت اسم «أخطاء العمل الخيري» ضمن فعاليات مؤتمر أرنوفا قبل عدة سنوات، والذي يعد أكبر لقاء عالمي سنوي يجمع الباحثين في القطاع الخيري وغير الربحي والتطوعي.
شرعت في كتابة تصور ورقة العمل وصياغة أسئلة استمارة استطلاع رأي موجزة بعد تخصيص مجال البحث في العمل الخيري الخليجي عساها تقدم رؤية من الداخل تشمل إجابات قيادات وموظفين وممارسين في هذا القطاع.
عاتبني بعضهم على هذا العنوان القاسي للدراسة والذي رأى أنه يشكك في هذا العمل المبارك وجرأة اتهامه وتجرؤ الآخرين عليه، وقد ذكرت حينها أن هذا هو عنوان الجلسة المطلوب، ولكني لاحقا كتبت في العرض أن لصدمة العنوان فائدة مجدية بأن يقدم المستجيب نقدا دون تحفظ بما ينطبق عليه أنه خطأ للعمل الخيري.
وصلتني 106 إجابات من معظم دول الخليج، وقمت بعدها بفرز هذه الأخطاء وتصنيفها الى أخطاء تنظيمية واستراتيجية وأخرى تتعلق بالقيادات والموظفين وأخرى تتعلق بالعلاقة مع السلطات المحلية والدولية وغيرها يتعلق بالتطوع والمتطوعين، بالإضافة إلى الأخطاء العامة.
ثمة تفاصيل داخل التصنيفات لا مجال لذكرها هنا، ولكن لفت انتباهي عدم ذكر أخطاء أو اتهامات تصنف أنها شائعة أو خطيرة ومقلقة للعمل الخيري مثل ربطه بالإرهاب أو الفساد المالي وغيرها، ولذا وضعت محورا جديدا بالورقة بعنوان «أخطاء لم تذكر» ربما لطبيعة المستجيبين وثقتهم في القطاع الخيري.
ولكن في المقابل تستدعي مثل هذه الاتهامات المزيد من الدراسة والسؤال عن نسبة انتشارها في عقول الناس ومدى القناعة بها، بالإضافة إلى ضبط بعض الأصوات العالية ضد الأعمال الخيرية والتي لا تفرق بين أخطاء معتبرة أو سوء تقدير أولويات تحصل في أي قطاع من قطاعات العمل بشكل أكثر بكثير من القطاع الخيري، وبين اتهامات مغرضة وثرثرة دون دليل لصد العمل الخيري سواء من أفراد أو نخب أو جهات أو حتى سلطات.
إن قطاع العمل الخيري - كشأن القطاعات الأخرى - لايخلو من أخطاء بل ان بعض الجهات العاملة في هذا المجال قد تفشل فشلا ذريعا في بعض الدول ولعل المحاضرة الأخيرة التي نظمها المركز العالمي لدراسات العمل الخيري في الهيئة الخيرية العالمية بالكويت لعرض كتاب «لماذا تفشل المنظمات غير الربحية؟» تشير لهذه الأسباب في بيئة معينة في الولايات المتحدة تناولها صاحب الكتاب قد ينطبق بعضها علينا وقد لا ينطبق، ولكن المهم أن الأخطاء موجودة والمطلوب تفاديها قدر المستطاع.
في مسيرة العمل الخيري الكويتي إبداعات وأفكار مبتكرة لا تخفى على أحد حتى ارتبط اسم هذا البلد ببعض رواد هذه الأعمال المباركة ومازالت تولد أفكارا وممارسات تذهل العالم في جمع الأموال التي تتدفق للجمعيات الخيرية بساعات من فتح روابطها الإلكترونية، ولاسيما في مواسم العطاء مثل شهر رمضان مع ما تشهده بعض الأزمات العالمية والأحداث الإنسانية.
في نشوة الفرح والسرور التي يعيشها القائمون على هذه الجهود المباركة وتخيل أهل الخير لآثار عطائهم تخرج أصوات تستحق الإنصات كتلك المطالبة بأولوية الإنفاق على فئة «البدون» أو الداخل الكويتي وغيرها، وبالمقابل أصوات نشاز تزداد في التشكيك بهذه الأعمال بطريقة مستفزة ودون تثبت للصد والتثبيط من هذه الإنجازات ومحاولة إيقاف هذا التيار الخيري المذهل!
وبرغم من هذه الحالة بعدم التفرقة بين الأخطاء والتجاوزات والاتهامات تبقى الحاجة الملحة للمعنيين بالقطاع الخيري بضرورة الرصد المنهجي الإحصائي والبحثي المنظم لكل هذه الردود وتصنيفها، ثم وضع استراتيجية جماعية للتعامل معها بإيجابية واحترافية وشفافية وقانونية حتى لا يتأثر هذا الخير بالتجرؤ عليه باتهامات خارجية أو إغفال أخطائه الداخلية!