الصحافة الورقية في وضع حرج أمام تحدّ، بسبب عزوف كثير من القراء عن شراء أو حتى مطالعة الصحف الورقية، مع انتشار أدوات الحصول السريع والمجاني على المعلومة، وقد أدى هذا كله إلى تراجع متواصل في مبيعات واشتراكات الصحف الورقية، حتى في الدول ذات الوفرة المالية والحرية
الصحافية العالية مثل الكويت، حيث لا يطلع على الصحف الورقية إلا ربع الكويتيين، مقابل نسبة 71.8% ممن لا يطلعون على أي صحيفة، بالاستناد لعدة استطلاعات رأي شاركت شخصيا في الإشراف عليها، وكان آخرها قبل شهور نتائج الباروميتر العربي Arab Barometer الصادر عن جامعة برينستون وتنفيذ الآراء الخليجية.
لم تستطع بعض الصحف أن تتواكب وتنسجم مع هذه التغيرات، وان تتكيف مع ظروف المنافسة الحادة مع الإعلام الرقمي، فأغلقت أبوابها، وخرجت بالكلية من ميدان العمل الإعلامي! وهو ما عبرت عنه «واشنطن بوست» الأميركية عند توقف صحيفتها الورقية Express بعنوان مثير «استمتعوا بهواتفكم الحقيرة!» !Hope you enjoy your stinking phones، كما قامت بعض الصحف بخطوات إنقاذ للبقاء على قيد الحياة، وصلت ببعضها إلى تقديم النسخة الورقية كهدية مجانية مع شراء كل قارورة ماء كما رأيت ذلك في مطار هيثرو بلندن!
في حين كانت صحف أخرى على قدر كبير من المهنية والإبداع، فتعاملت بذكاء مع الأدوات الجديدة والمتعددة، التي أتاحها التطور التكنولوجي، فصارت أكثر من مجرد صحيفة، فتحولت إلى محطات تلفزيونية وإذاعية مصغرة، تمتلك استوديوهات مزودة بأحدث تقنيات الصوت والإضاءة، تتابع على مدار الساعة آخر المستجدات محليا ودوليا، وتقدم موادها المختلفة إلى الجمهور بشتى الأنماط: مقروءة ومسموعة ومرئية!
ولعل صحيفة «الأنباء» هي المثال الأبرز على هذا التطور في الكويت، والذي يمكن أن نقدمه كنموذج يمكن لصحف أخرى الاقتداء به، فقد اهتمت بالأخبار الحصرية والسبق الصحافي، مما جعلها تتصدر الصحف الأخرى في هذا الباب بدرجة 8.7 في المقياس العشري وفقا لتقرير قوة الصحف الكويتية، والمرتبة الثانية في حجم الانتشار وفق عدة استطلاعات رأي، وكان آخر استطلاع رأي معد لمنظمة العمل الدولية، كما حرصت على متابعة وتغطية شتى الفعاليات المحلية، بما جعل أحد قيادات وزارة الإعلام يصفها بأنها صحيفة البلد والجميع، إلى جانب حضورها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ولعل من أهم مجالات الإبداع إضافة تقنيات حديثة كتقنية الواقع المعزز، وتقنية الباركود مما أتاح عرض الأخبار بأوعية متنوعة مرئية وسمعية ومقروءة جعلها أكثر من مجرد صحيفة!
[email protected]