جنبا إلى جنب، في كل دولة تعمل القطاعات: الحكومية والخاصة والخيرية أو غير الربحية، ولكل منها وظيفته وأدواره وأهميته، فلا يجوز تغول قطاع معين على قطاعات أخرى ولاسيما الحكومي، تماما مثل جدلية «فصل السلطات»، بل ينبغي عمل القطاعات بشكل متكامل لمصلحة البلاد والعباد.
في وقت الأزمات ومع زيادة المهام والتحديات، تشتد الحاجة إلى دور أكبر للقطاعات، ويكون هناك مبرر لتدخل قطاع معين في عمل غيره، إما لأن طبيعة الأزمة ذاتها تحتم تكاتف وتكامل الجهود، أو لإمكانية أن يكون لهذا القطاع بالذات دور رئيسي في مواجهة الأزمة، إلى جانب ارتفاع سقف المأمول والمتوقع أن يقدمه هذا القطاع لدى الجمهور!
وهذا ما يحدث الآن في أزمة كورونا، حيث لا تستطيع الحكومات، في إطار جهودها لمواجهة الوباء والحد من انتشاره، أن تستغني عن الدور المحوري للقطاع الخيري، بل إن الجهات الرسمية إذا لم توظف الجهود التطوعية المخلصة للجهات الخيرية، وتستثمر حماسها وتنظيمها وهياكلها، وتدعمها وتقوي من عودها في أزمة وباء كورونا، فإنها ستفقد هي والمجتمع جيشا كبيرا ليس من السهل تعويضه، وسيكبر العبء الذي سيستنفد من قدرات الجهات الأخرى وموارد الدولة!
في الكويت ساندت الجهات الخيرية المتضررين من الأزمة بما قدمته من دعم لوجستي للأجهزة الرسمية في مواجهة هذه الجائحة وبعضها بطلب من الجهات الرسمية نفسها، ومع ذلك بقي اللوم للجهات الخيرية ومطالبتها بتقديم المزيد على المستوى المحلي واعتبار هذا أولوية قصوى، وهو مبرر ومنطقي للوهلة الأولى، ولكن نسي هؤلاء أن الجهات مقيدة في إنفاقها للأموال بالمصارف التي حددها المتبرعون، وليس من الشرعي والمنطقي لها أن تتصرف بخلاف رغبتهم، وإذا حتمت الظروف ضرورة تحويل أو تغيير المصارف، فلابد أن يتم ذلك بموافقتهم أو اللجوء لاستحداث مصرف جديد خاص بهذه الأزمة، وهو ما قامت به بالفعل 41 جهة خيرية بتحالف «فزعة للكويت» وسجلت رقما قياسا بجمع 30 مليون دولار تقريبا خلال 18 ساعة لدعم المتضررين من الأزمة والأسر المتعففة ومساندة الجهات الحكومية!
وفي خضم ردة الفعل على حملة «فزعة للكويت»، غضب البعض من تصدر الجهات الخيرية للقيام بدور ينبغي أن يوكل للجهات الرسمية، متناسين أن تدخل الجهات الخيرية في هذا الباب لم يكن إلا دعما للجهود الحكومية بأعمال إنسانية بحتة مساندة لا تسمح بها عادة إجراءات الحكومة في أي بلد، فضلا عن الوقت المستغرق في اتخاذ القرارات بشأنها، كتقديم مستلزمات وقاية إضافية أو لتسهيل وتنظيم الفحوصات الطبية وغيرها من تداعيات التعامل مع الوباء، ما يجعل تدخل القطاع الخيري مبررا بل ومطلوبا!
[email protected]